للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت ليلةً مطيرةً مظلمة قد خلا الطواف، وطابت نفسي، فوقفت عند الملتزم وقلت: اللهمَّ اعصمني حتَّى لا أعصيك، فهتف بي هاتفٌ: يا إبراهيم، أنت تسألُني العصمةَ، وكلُّ عبادي يسألونها، فإذا عصمتكم، فعلى من أتفضَّل، ولمن أغفر؟ فبتُّ ليلتي أستغفرُ الله إلى الصباح حياءً من الله تعالى.

وحكى ابن باكويه الشيرازيّ عن شقيق البلخي قال: قال لي إبراهيم: إنَّه لم ينبُل عندهم أو عندنا من نبل بحجٍّ ولا جهاد، إنَّما نُبْلُ من نَبُل من كان يعقلُ ما يدخلُ جوفه، يعني الرغيفين. يا شقيق، ماذا أنعمَ الله على الفقراء، فبكى شقيق وقال: أتعجَّبُ من سماءٍ يسقي غيثُها بلدًا ظَعَنتَ منه، وبؤسًا لقوم أنت فيهم كيف لا يستسقونَ بك.

وكان شقيق يأخذُ كفَّ إبراهيم ويقبِّلُها ويرفعُها إلى السماء ويقول: بحرمةِ صاحب هذا الكف عندك، وبالسرِّ الذي وجدَه منك، جُد على عبدك الفقير بفضلك، وإنْ لم يستحقَ ذلك.

وحكى جعفر بن أحمد السراج عن إبراهيم قال: طابَ قلبي يومًا مع الله تعالى، وتذكرتُ حسنَ صنيعة ربِّي، فقلت: إلهي إن كنتَ أعطيتَ أحدًا من المحبين لك (١) ما تسكنُ به قلوبهم قبل لقائِكَ، فأعطني، فقد أضرَّ بي القلق، قال: فرأيتُ الحقَّ في منامي، فقال: يا إبراهيم، أما استحييت منّي تسألُني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي؟ وهل يسكنُ قلبُ المحبِّ إلى غير حبيبه؟ أم هل يستريحُ المشتاقُ إلا إلى من اشتاقَ إليه؟ فقلت: يا رب، تهتُ في حبِّك، فما أدري ما أقول.

وحكى ابن أبي الدنيا عن خلف بن تميم قال: كنتُ مع إبراهيم في سفر، فقطعَ السبعُ الطريقَ على القافلة، فقال الناس: يا أبا إسحاق، الأسد، فجاء إليه فقال: يا أبا الحارث، إن كنتَ أُمرتَ فينا بشيءٍ فامض إلى ما أُمرتَ به، وإلا فتنحّ عن الطريق، فولَّى الأسد وهو يُهمهم.

وحكى عن شعيب بن حرب قال: خرجتُ من الكوفة مع سفيان الثوريّ نريدُ زيارة إبراهيم بن أدهم، ولم نطعم قبلَ ذلك بثلاثة أيام، فسألنا عن إبراهيم، فدلُّونا عليه، فأتيناه وهو بالمصيصة في الجامع في مشرفةٍ، ورأسُه في ريقه (٢)، فحركته وقلت:


(١) في (خ): له، والمثبت من صفة الصفوة ٤/ ١٥٨.
(٢) كذا، وفي مناقب الأبرار ١/ ٧٨: وهو نائم في الشمس في وسط الجامع في زُرْناقته.