للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي أسفلها مكتوب: [من مجزوء الخفيف]

إنما الفوزُ والغنى … في تقى الله والعملْ

ثم التفتُّ فلم أره، فلا أدري مضَى أو حُجِب عني.

وحكى ابن باكويه عن ابن بشار قال: سمعتُ إبراهيم ينشد: [من البسيط]

أرى أناسًا بأدنى الدين قد قنعوا … ولا أراهم رضُوا بالعيشةِ الدونِ

فاستغنِ بالله عن دنيا الملوكِ كما … استغنى الملوك بدنياهُم عن الدِّينِ

ذكر نبذةٍ من كلامه:

حكى في "المناقب" عن ابن بشار قال: دخلتُ على إبراهيم وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: بؤسًا لأهل النار، لو نظروا إلى زوَّارِ الرحمن، وقد حُمِلوا على نجائب مرحَّلة بالدرِّ والياقوت والمرجان، يزفُّون إلى الله زفَّا، وقد نُصبت لهم المنابر، ووُضعت لهم الكراسي، وأقبلَ عليهم الجليل بوجهِه الكريم يقول: إليَّ إليَّ يا عبادي المطيعين، إليَّ إليَّ يا أوليائي المشتاقين، إليَّ إليَّ يا أحبائي المقرَّبين وأصفيائي الصادقين، ها أنا ذا فاعرفوني، من كان منكم مشتاقًا فليتمتَّع بالنظر إلى وجهي، فوعزَّتي وجلالي لأفرحنكم بجِواري، ولأونسنَّكم بقربي، ولأبيحنَّكم دارَ كرامتي، من الغرفات تشرفون، وعلى الأسرَّة تتكئون، مقيمون لا تظعنون، آمنينَ لا تخافون ولا تحزنون، تصحُّون لا تسقمُون، وللنعيم لا تسأمون، كلُوا واشربُوا هنيئًا بما كنتم تعملون (١).

وقال ابن بشار: سُئِل إبراهيم: لم حُجِبت القلوبُ عن علَّام الغيوب؟ فقال: لأنَّها أحبَّت ما أبغضَ الله، وآثرت دارَ الغرور، وتركتِ العملَ لدار فيها حياةُ الأبد في نعيم لا يزول ولا ينفد.

قال: وقال: من ذلَّل نفسَه رفعَه مولاه، ومن اتَّقاه وقاه، ومن أطاعه نجَّاه، ومن أقبل عليه أرضَاه، ومن توكَّل عليه كفاه، ومن سألَه أعطاه، ومن شَكرهُ جازاه.

قال: وقيل له: أنت عبدٌ؟ قال: نعم، قال: لمن؟ فلمَّا أراد أن يقول غُشي عليه، فلمَّا أفاق قال: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ الآية [مريم: ٩٣].


(١) مناقب الأبرار ١/ ٧٩.