للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنصحكَ أبو جعفر وأعطاه ألفي درهم.

وذكر في "العقد" أنَّ هذه الواقعة كانت مع المهدي، وأنَّ أبا دلامة خاطَ خريطة من شقائق النعمان (١)، ولمَا دخل على المهدي أنشده البيتين، وأن المهدي قال له: أتريد أن أعينك على تربيتها؟ قال: نعم. وكانت الخريطةُ بين أصابعه، فقال: يا أمير المؤمنين، املأ لي هذه الخريطة دراهم، فاستصغرها المهديُّ وقال: وما عسى أن تسعَ هذه؟ فقال أبو دلامة: من لم يقنع بالقليل لم يقنع بالكثير، فأمر أن تملأ، فلما نشرت ملأت صحنَ الدار، فدخل فيها أربعةُ آلاف درهم، وقال المهدي: أعطوه إيَّاها (٢).

وقال الأصمعيُّ: لقي أبو دلامة معنَ بن زائدة في الصيد، فأخذ بعنان فرسه وقال: [من الكامل]

إنِّي حلفت بإنْ رأيتُك سالمًا … بقُرَى العراقِ وأنت ذو وَفْرِ

لتصلينَّ على النبيِّ محمدٍ … ولتملأنَّ دراهمًا حِجْرِي

فقال له معن: أمَّا الصلاة فنعم، وأمَّا الدراهم فلمَّا نوجع من الصيد، فقال: جعلت فِداءك، لا تفرِّق بينهما، فاستسلفَها له، وصَبَّها في حجره حتى أثقله (٣).

وحكى المبرد عن الأصمعيِّ قال: أمر أبو جعفر أصحابَه بلبس القلانس الطِّوال، ودراريع بين أكتافها مكتوب فيها هذه الآية: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧]، وأمر بشدِّ السيوف في أوساطهم، فدخلَ أبو دلامة يومًا عليه وهو في ذلك الزيّ، فقال له أبو جعفر: كيف أصبحت؟ فقال: بشر حال، قال: وكيف؟ قال: ما ظنُّك بمن أصبحَ وجهُه في وسطه، وسيفُه في استه، وقد نبذَ كتاب الله وراءَ ظهره؟ فضحك أبو جعفر، ووصلَه (٤).

ولأبي دُلَامة شعرٌ في القلانس الطوال وهو:

وكنا نرجِّي من إمامٍ زيادةً … فزادَ الإمامُ المصطفى في القلانسِ


(١) بهذا. وفي العقد الفريد ١/ ٢٦٠: خريطة من شقق. وفي تاريخ بغداد ٩/ ٥٢١: من خرق.
(٢) العقد الفريد ١/ ٢٦٠ - ٢٦١.
(٣) ذكر الخبر بنحوه الأصفهاني في الأغاني ١٠/ ٢٥٣ لكن القصة فيه مع المهدي لا مع معن، وذكره ابن عبد ربه في العقد ١/ ٢٦٣، والخبر فيه مع أبي دُلف والي العراق. والله أعلم.
(٤) انظر الأغاني ١٠/ ٢٣٦، والعقد الفريد ١/ ٢٦٤.