للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملك، وكان ثقةً مأمونًا كثيرَ الحديث، وأجمعوا على أنه توفِّي بالبصرة وهو مستخفٍ في شعبان سنة إحدى وستين ومئة في خلافة المهدي.

قال: وكان سفيان يقول: وجدتُ قلبي يصلحُ بمكَّة والمدينة مع قوم غرباءَ أصحاب بيوت.

قال: وكان سفيان يقول دائمًا: سَلِّم سلِّم.

قال: وكان سفيان يتَّجِر، ويفرِّق الربحَ على إخوانه الفقراء.

وكان له ابنٌ ليسَ له غيرُه، فكان سفيان يقول: ما في الدنيا شيءٌ أحبَّ إليَّ منه، وإني لأحبُّ أن أقدِّمه، قال: فماتَ ابنُه ذاك فجعلَ كلَّ شيءٍ لأختِه وولدها، ولم يورّث أخاهُ المبارك بن سعيد شيئًا.

وطُلِبَ سفيان في أيَّام المهدي، فخرجَ إلى مكَّة، فكتبَ المهديُّ إلى محمد بن إبراهيم يطلبُه، فبعثَ محمد إلى سفيان وأعلَمه، قال: إنْ كنتَ تريدُ إتيانَ القوم فاظهر حتى أبعثَ بك إليهم، وإنْ كنتَ لا تريدُ إتيانهم [فتوار، قال:] (١) فتوارى سفيان، وطلبَه محمدُ بن إبراهيم، وأمر مناديًا ينادي بمكة: من جاء بسفيان فله كذا وكذا، فلم يزل متواريًا بمكَّة لا يظهر إلَّا لأهل العلم ومن لا يخافه.

وقال أبو شهاب الحنَّاط: بَعَثَتْ أختُ سفيان لسفيان معي إلى مكة بجرابٍ فيه كعك، وخشكنانك، فأتيتُ مكَّةَ فسألتُ عنه، فدلُّوني عليه، فأتيتُه، وكان صديقًا لي، فسلَّمتُ عليه، فلم يحفل بي، وكان متَّكِئًا فما قعد، كما أعرف منه، فقلت: إنَّ أختكَ بعثت معي بجرابٍ فيه كعكٌ وخشكنانك، فاستوى جالسًا وقال: عجِّل عليَّ به، فقلت: أتيتُك وأنا صديقك، فسلَّمتُ عليك، فلم تردَّ عليَّ ذاك الرد، فلمَّا أخبرتُك بجراب كعك وخشكنانك ما يساوي شيئًا جلستَ وكلَّمتني، فقال: يا أبا شهاب، اعذرني، فوالله لي أربعةُ أيام أو ثلاثة أيام ما ذقتُ طعامًا، فعذرتُه والله.

قال ابن سعد: فلما خافَ سفيان بمكة قدم البصرة، فنزلها بقرب منزلِ يحيى به. سعيد القطَّان، وعلمَ به يحيى، فحوَّله إلى جواره، وفتحَ له بابًا إليه، فكان يأتيه بمحدِّثي


(١) ما بين حاصرتين من طبقات ابن سعد ٨/ ٤٩٣.