للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَزيد بِلًى في كلِّ يومٍ وليلةٍ … وتُسلَى كما تَبلى وأنت حبيبُ

فانقطع داودُ إلى العبادة.

ذِكْرُ طَرَف من أخبار داود:

روى أبو نُعَيم (١) عن ابن عم لداودَ قال: ورث داودُ من أبيه عشرين دينارًا، فأَنفقها في عشرين سنةً كل سنةٍ دينارًا، ينفق في كلِّ شهرٍ درهمًا، منه يأكل ومنه يتصدَّق، وورث بيتًا، فكان يكون فيه، لا يعمره، كلَّما خرب منه جانبٌ تركه وتحوَّل إلى جانبٍ آخَر، فخرب كلُّه إلا زاويةً منه كان يكون فيها.

وروى أبو نُعيمٍ أيضًا (٢) عن حفصِ بن عمرَ الجُعفيِّ قال: ورث داودُ عن أمِّه أربعَ مئةِ في رهم، فمكث يتقوَّت منها ثلاثين عامًا، فلمَّا نفدت جعل ينقض سقوفَ الدُّويرة فيبيع الخشبَ والبواريَ واللَّبِن، حتى بقي نصفُ سقف. قال: وجاءه صديق فقال: لو أعطيتَني هذه فأَبضعتُها لك لعلك أن تستفضلَ منها شيئًا تنتفع به. فما زال حتى دفعها إليه، ثم فكَّر فيها، فلقيه بعد العشاءِ الآخرة، قال: ارددها علي، قال: ولم؟ قال: أخاف أن يدخلَ فيها شيءٌ غير طيِّب. فأخذها منه.

وقال إسحاقُ بن منصور: دخلتُ أنا وصاحبٌ لي على داودَ الطائيّ وهو قاعدٌ على التراب، فقلت لصاحبي: هذا رجل زاهد، فقال داود: إنَّما الزاهد مَن قَدَرَ فترك.

وقال ابنُ أبي الدنيا: حدَّثني أحمدُ بن عمران: حدَّثني الوليدُ بن عُقبة قال: كان يُخبز لداودَ الطائيِّ ستُّون رغيفًا يعلِّقها بشريطٍ يُفطر في كلِّ ليلةٍ على رغيفَين بملحٍ وماء، فأخذ ليلةً فطرَه فجعل ينظر إليه. قال: ومولاةٌ له سوداءُ تنظر إليه، فقامت فجاءته بشيءٍ من تمر، فأَفطر ثم أحيا ليلَه إلى الصباح، ثم أصبح صائمًا، فلما جاء وقتُ إفطارِه أخذ رغيفًا ومِلحًا وماء، فجعل يعاتب نفسَه ويقول: اشتهيتِ البارحةَ تمرًا فأطعمتكِ إياه، واشتهيتِ الليلةَ تمرًا! لا ذاق داودُ تمرًا ما دام في الدنيا.

وروى أبو نُعيمٍ (٣) عن حمَّادِ بن أبي حنيفةَ قال: قالت مولاةٌ لداودَ الطائي: يا داود،


(١) في حلية الأولياء ٧/ ٣٤٧.
(٢) في الحلية ٧/ ٣٤٦.
(٣) في الحلية ٧/ ٣٥١.