للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أبو نُعيمٍ (١) عن صَدَقةَ الزاهدِ قال: خرجنا مع داودَ الطائيِّ في جنازة بالكوفة، فقعد داودُ ناحيةً وهي تُدفن، فجاء الناسُ فقعدوا قريبًا منه، فقال: مَن خاف الوعيدَ قَصُرَ عليه البعيد، ومَن طال أملُه ضعف عملُه، وكل ما هو آت قريب، وكلُّ ما يشغلك عن الله من مالٍ وولد فهو عليك مشؤوم، وإنَّ أهلَ القبور إنَّما يفرحون بما يقدِّمون، ويندمون على ما يخلِّفون.

وروى أبو نُعيم عنه أنَّه كان يقول: سبقني العابدون وبقيتُ (٢) وقُطع بي، والهفاه.

وروى ابنُ أبي الدنيا عنه أنَّ رجلًا قال له: أَوصني، فقال: إنما الليلُ والنهارُ مراحل، ينزلهما الناسُ مرحلةً بعد مرحلةٍ حتى ينتهيَ بهم ذلك إلى آخر سفرِهم، فإن استطعتَ أن تقدِّمَ في كلِّ مرحلةٍ زادًا لما بين يديها فافعل، فإنَّ انقطاعَ السفر عن قريب، والأمرُ أَعجل من ذلك، فتزوَّد لسفرك، واقضِ ما أنت قاضٍ من أمرك، فكأنَّك بالأمر قد بغتك، إنِّي لَأقول لك هذا وما أَعلمُ أحدًا أشدَّ تضييعًا مني لذلك.

وقال أبو نُعيم (٣): قال رجلٌ لداود: أَوصني، فقال: عسكرُ الموتى ينتظرونك. وقال له رجل: أَوصِني، فقال: لا يراك اللهُ حيث نهاك، ولا يفقِدُك حيث أمرك، فاستحيي من قربه منك وقدرته عليك.

وقال أبو نُعيم (٤): قال رجلٌ لداود: أرأيتَ لو أنَّ رجلًا دخل على هؤلاء الأمراءِ فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟ قال: أخاف عليه السوط، قال: إنَّه يقوَى عليه، قال: أَخاف عليه السَّيف، قال: إنَّه يقوى عليه، قال: أَخاف عليه الداءَ الدَّفين، قال: ما هو؟ قال: العجْب.

وقال سهلُ بن بكَّار: كان داودُ يقول: يا سوادَ ليلةٍ لا تُضيء، ويا بُعدَ سفرٍ لا ينقضي.

قال: وجلس إليه عُقبةُ بن موسى، فقال له: يا عقبة، كيف يتسلَّى عن الحزن مَن


(١) في الحلية ٧/ ٣٥٧، وانظر مناقب الأبرار ١/ ١٧٧.
(٢) في (خ): أو وقطع. والمثبت من الحلية ٧/ ٣٣٦.
(٣) في الحلية ٧/ ٣٥٦، ٣٥٨.
(٤) في الحلية ٧/ ٣٥٨.