للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا. فبكى المهديّ.

قال (١): ودعاه أخٌ له فقال: تعشَّ عندي اللَّيلة، فما زال ينتظره حتى طلع الفجر، فلقيه فقال: ما الذي أَبطأَ بك عني؟ فقال: كنتُ في الوتر، فعرضتْ لي روضةٌ خضراء، فما زلت أَنظر فيها حتى أصبحت.

وكانت وفاةُ ابنِ ثوبانَ في هذه السَّنة، وقد بلغ تسعين سنة، ومولدُه سنةَ خمسٍ وسبعين.

أَسند عن أبيه وعطاءِ بن أبي رباحٍ وأبي الزِّناد وهشامِ بن عروةَ وغيرِهم.

وقال الخطيب: قدم بغدادَ وحدَّث بها (٢). وكان أحمدُ بن حنبلٍ يُثني عليه ويقول: كان أعبدَ أهلِ الشام. ورُوي عنه أنَّه كان صالحًا عابدًا سليمَ الصدر. وقال أبو داود (٣): كان فيه سلامةُ صدر، ولاه المهديُّ على المظالم ببغداد.

ورَّاد العجلي الكوفي

من الطبقة السادسةِ من أهل الكوفة، كان من الخائفين البكَّائين.

وروى ابنُ أبي الدنيا عن حفص بنِ غياثٍ قال: كنّا عند عمرَ بن ذَرٍّ ذاتَ يوم وهو يتكلَّم، فذكر رواجفَ القيامةِ وزلازلَها، فوثب رجلٌ من بني عِجلٍ يقال له: ورَّاد، فجعل يبكي ويصرخ ويضطرب، فحمل إلى منزله من بين القوم صريعًا، فقال عمرُ بن ذَرّ: يا ليت شعري ما الذي قصَّر بنا وكَلَم قلب ورَّادٍ حتى أبكاه الله! واللهِ إنْ هذا إلَّا من صفاء قلبِه وتراكُم الذنوبِ على قلوبنا. وكان ورَّادٌ يدخل المسجدَ مقنَّعَ الرأس، فيعتزل ناحية، فلا يزال يصلِّي ويبكي ويدعَو ما شاءَ الله. فكان هذا دأبَه، وكان قد عاهد الله ألا يضحك حتى ينظر إليه، وكان يصوم الدهر ويفطر على قُرصَين من شعيرٍ ويقوم الليل، فإذا كان في السَّحر جلس فدعا، وكان من دعائه: إلهي، عبدُك يحبُّ الاتصال بطاعتك، فأَعِنه عليها يا إلهي بتوفيقك أيها المنان، مولاي، عبدك يحب اجتنابَ


(١) في تاريخه ٩/ ٨٩٣.
(٢) تاريخ بغداد ١١/ ٤٨٧.
(٣) في (خ): ابن داود. والمثبت من المصادر.