للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقيمت الصلاةُ يومًا، فقال أَعرابيّ: يَا أميرَ المُؤْمنين، لستُ على طهرٍ وقد رغبتُ إلى الله في الصلاة خلفَك، فوقف في المحراب قائمًا حتَّى توضَّأ الأعرابيُّ وجاء، فأُخبر بمجيئه، فكبَّر وصلَّى، فعجب النَّاسُ من سماحة أخلاقِه.

وهاجت ريحٌ في زمن المهديّ، فدخل بيتًا في جوف بيتٍ وأَلصق خدَّه بالأرض، وجعل يمرِّغ وجهَه على التُّراب، ثم قال: اللهم إنه بريءٌ من هذه الجنايةِ كلُّ هذا الخلقِ غيري، فإن كنتُ المطلوبَ من بين خلقِك فها أنا بين يديك، اللهمَّ لا تشمت بي أهلَ الأديان، اللهم احفظ محمدًا في أمَّته، اللهمَّ هذه ناصيتي بين يديك. فلم يزل كذلك حتَّى انجلت الرِّيح.

وكان العَوفيُّ على مظالم المهدي، فصلَّى المهديُّ المغربَ بالنَّاس ثم انصرف يتنفَّل، فقام العَوفي فقعد في قِبلَته وجذب بثوبه، فقال: ما لك؟! قال: شيءٌ أَولى بك من النافلة، قال: وما هو؟ قال: سلامٌ مولاك -وسلام قائمٌ على رأسه- غصب قومًا ضَيعتهم، وقد صحَّ ذلك عندي، فمرْه بردِّها، فقال: حتَّى نُصبح، فقال العَوفي: لا واللهِ إلَّا الساعة، فأمر قائدًا أن يذهبَ إلى الضيعة ويُخرجَ منها أصحابَ سلَّام ويردَّها على أَربابها، ففعل.

وكان المهديُّ إذا جلس للمظالم يقول: أَدخِلوا عليَّ القُضاةَ والعلماءَ أولًا، فلو لم يكن ردِّي المظالمَ إلَّا حياءً منهم [لكفى] (١).

وقال سوَّار بنُ عبد اللهِ القاضي: انصرفتُ يومًا من دار المهديّ، فلمَّا دخلتُ منزلي دعوتُ (٢) بالغداء، فجاشت نفسي، فأمرت بردِّه، ثم دعوتُ جاريةً أُلاعبها، فلم تَطِب نفسي، فدخلتُ للقائلة، فلم يأخذْني نوم، فركبت بغلتي وخرجت، فاستقبلني وكيلي ومعه ألفًا درهمٍ من غَلَّتي، فقلت: اِتبعني، وأَطلقت رأسَ البغلة، وعبرت الجسرَ وصرتُ في شارع بابِ الأنبار، وإذا بدارٍ على باب شجرةٍ وعلى الباب خادم، وقد عطشت، فاستسقيتُ ماء، فدخل وأَخرج قُلَّةً نظيفة طيبةَ الرائحة، فشربت، وحضر وقتُ العصرِ وهناك مسجد، فدخلت وصلَّيت، وإذا بأعمى قد دخل يلمس بيديه،


(١) ما بين حاصرتين يقتضيه السياق.
(٢) في (خ): دخلت، ولعله سهو. والمثبت من تاريخ دمشق ٦٢/ ٥٠١.