للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي حبسني، فأَطلقه فعاد إلى مكَّة.

وقال المهديُّ لسفيانَ الثَّوريّ: يَا أَبا عبدِ الله، إنِّي أريد أن أستعينَ بك على أَمانتي، فقال: لا أَصلح، فرمى بخاتَمه إليه وقال: اِعمل في هذه الأمَّة بكتاب اللهِ وسنَّة رسوله، فقال: لو عملتُ (١) بذلك لكنت أوَّل ما أبدأ بك، فغضب المهديُّ وقام سفيانُ الثوريُّ فخرج.

ودخل عليه محمدُ بن طلحةَ بن مصرِّفٍ وهو جالسٌ في بهوٍ له، فمطرت على النَّاس، فقام مُحَمَّد فقال: أَمن العدلِ يَا أميرَ المُؤْمنين أن تكونَ في الظلِّ ونحن في المطر؟! فقال المهدي: مَن هذا؟ قالوا: محمَّد، وهو مغفَّل، فقال له المهدي: إليَّ يَا عمّ إلى ها هنا، وجعل يردِّدها حتَّى صار قريبًا منه في الكِنّ، فقال: يَا عمّ، لِمَ لا تقول (٢) لأخيك سفيانَ الثوريِّ يأتِنا؟ فقال: إذًا يكون له الحجَّةُ عليّ، قال: فقل أَنْتَ، قال: أرى أن تصعدَ المنبرَ وتسألَ النَّاسَ أن يسوِّغوك (٣) ما في يدك، ثم تستقبل بهم العدل، فقال: مقبولٌ يَا عم، وخرج، فقال المهدي: هذا الذي زعمتم أنَّه مغفَّل!

وكان المهديُّ ممدَّحًا يحبُّ الشعر، ومن شعرائه مروانُ بن أبي حفصة، وهو القائلُ من قصيدة: [من الطَّويل]

كفاكم بعبَّاسٍ أبي الفضلِ والدًا … فما من أبٍ إلَّا أبو الفضلِ (٤) فاضلُهْ

كأنَّ أميرَ المُؤْمنين محمَّدًا … أبو جعفرٍ في كلِّ أمرٍ يحاوله

إليك قَصَرنا النِّصفَ من صلواتنا … مسيرةَ شهرٍ بعد شهرٍ نواصله

وهو سبعون بيتًا، وأوَّلها:

صحا بعد جهلٍ واستراحت عواذلُهْ (٥)

فأمر له بسبعين ألفًا، فقال مروان: فقلتُ في نفسي: أنشدتُه هذه الأبياتَ فأمر لي


(١) في (خ): علمت. وانظر حلية الأولياء ٧/ ٤٠ - ٤١.
(٢) في (خ): تقل. والمثبت من تاريخ دمشق ٦٢/ ٤٨٥.
(٣) في (خ): يسوغونك. والمثبت من تاريخ دمشق.
(٤) في الديوان ص ٩٥: أبو العباس. ولا يستقيم به الوزن. والمثبت موافق لما في تاريخ دمشق ٦٢/ ٥٠٧.
(٥) عجزه: وأقصرن عنه حين أقصر باطله.