للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن عباس: أكل الدودُ جميعَ جسد أيوب، فلما لم يبق شيءٌ سلَّط الله الدودَ بعضه على بعض فأكل بعضهُ بعضًا حتَّى بقيت دودتان، فجاعتا فأكلت الواحدة الأخرى، وبقيت واحدة فجاعت فدبَّتْ إلى قلبه لتنقره، فقال أيوب: إلهي إن فقدت حلاوة ذكرك من قلبي لم يهن عليَّ ما ابتُليت به ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ (١).

والثامن: أن جبريل جاءه فقال: يا أيوب، لا تقدر أن تصبر معه، فإن بلاياه في خزائنه كثيرة، ومتى لم تشكُ إليه لا يرفع عنك البلاء، فاعترف بالعجز فقال: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾، قاله ابن نجيح.

والتاسع: أن دودة عضَّته فآلمته ألمًا زاد على جميع ما قاسى، فبكى فرحمه الله، قاله مقاتل.

والعاشر: أن زوجته مرضت فتأخرت عنه أيامًا، فلم يبق له من يقوم بأمره فقال: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ قاله مقاتل بن حيان.

وقال الجنيد: عرَّفه فاقة السؤال ليمنَّ عليه بكرم النوال.

وقال مجاهد: أوحى الله إليه: لولا أني أفرغتُ مكانَ كلِّ شعرة منك صبرًا لما صبرتَ (٢).

فإن قيل: فلم لم يدعُ أوَّلَ ما نزل به البلاء؟ فالجواب من وجهين، أحدهما: أنَّه علم أمرَ الله فيه ولا تصرُّفَ للعبد مع مولاه.

والثاني: أنَّه أراد مضاعفة الثواب فلم يسأل كَشْفَ البلاء ليأخذ منه نصيبًا.

فإن قيل: فكيف قال: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ [ص: ٤١] والشيطان لا يمس؟ فالجواب من وجهين أحدهما: أنَّه لما كان الشيطان هو السبب فيما أصابه أضيف إليه.

والثاني: أنَّه ما كان يحسن به أن يقول مسَّني الله، فاستعمل الأدب مع الله، وإن كان ذلك بقضائه وقدره.

قوله تعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص: ٤٢] قال ابن عباس: جاءه جبريل ﵇


(١) انظر "تاريخ دمشق" ١٠/ ٦٥.
(٢) انظر "تاريخ دمشق" ١٠/ ٦٩.