للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحظي خزيمةُ بذلك عند الرشيد، ولَمَّا مات الهادي لم يعلم بموته أحدٌ غيرُ أمِّه الخَيزُران، فأرسلت بخاتمه إلى يحيى بنِ خالد سرًّا وقالت: قد أراح اللهُ من الجبَّار، فجاء إلى هارونَ وهو نائمٌ فأيقظه، وكان هارونُ أبيضَ طُوالًا جسيمًا جميلًا وسيمًا جَعْدًا، لم يمت حتى وخطه الشَّيب، وكان به حَوَلٌ في فردِ عينٍ لا يبين إلَّا لمن تأمَّله.

وكان ساخطًا على إبراهيمَ بن ذكوانَ الحرَّاني وسلَّامٍ الأبرش، فأمر بحبسهما وقبضِ أموالهما، فحُبس إبراهيمُ عند يحيى بنِ خالد في داره، فكلَّمه فيه محمدُ بن سليمانَ بن عليٍّ وسأله فيه، وأن ينحدرَ به معه إلى البصرة، فأَجابه إلى ذلك.

وفي هذه الليلةِ التي مات فيها الهادي وُلد المأمون. وفي اليوم الذي بويع فيه هارونُ سلَّم عليه بالخلافة جماعةٌ من عمومته، فقال له عبدُ الصمد بنُ علي: هذا مجلسٌ فيه أميرُ المؤمنين وعمُّه وعمُّ أبيه وعمُّ عمِّ عمِّه؛ لأنَّ سليمانَ ابنُ أبي جعفر، والعباسَ بنَ محمدِ بن علي هو عمُّ المهدي، وعبدَ الصمد بنَ على عمُّ المنصور، فسليمانُ عمُّ الرشيد، والعباس عمُّ سليمان، وعبدُ الصمد عمُّ العباس.

وفيها عزل الرشيدُ عمرَ بن عبدِ العزيز العُمريَّ عن المدينة وولَّاها إسحاقَ بن سليمانَ بنِ عليّ.

وفيها فوَّض الرشيدُ أمورَ الخلافة إلى يحيى بنِ خالد وقال: لقد قلَّدتك أمورَ الرعيَّة وأَخرجتها من عنقي، فولِّ مَن رأيت، واعزل من رأيت، وافعل ما تراه. وسلَّم إليه خاتمَ الخلافة، فقال الشاعر (١): [من الطويل]

ألم ترَ أنَّ الشمسَ كانت سقيمةً … فلمَّا ولي هارونُ أَشرق نورُها

بيُمْن أمينِ الله هارونَ ذي النَّدى … فهارونُ واليها ويحيى وزيرها

وكان الهادي قد حجر على الخَيرران، فردَّها الرشيدُ إلى ما كانت عليه وزادها، وكان يحيى بنُ خالدٍ يشاورها في الأمور ويَصْدُر عن رأيها.

وفيها فرَّق هارونُ في أعمامه وأهلِه أموالًا لم يفرِّقها غيرُه من الخلفاء، وأمر بسهم ذي القُربى أن يقسمَ بين بني هاشمٍ بالسويَّة.


(١) هو إبراهيم الموصلي كما في تاريخ الطبري ٨/ ٢٢٣، والكامل ٦/ ١٠٨.