للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المرام، شجاعًا، فيه شهامةٌ شديدة وقلَّة احتمالٍ وسوءُ ظن، مُشربًا حُمرة، في شفته العليا تقلُّص يفتح له فاه، وكان شديدًا، يلبس دِرعَين، ويثب على أعلى فرسٍ يكون ولا يُمسك بيديه شيئًا، ولم يلِ الخلافةَ في سِنِّه أحد، كان حَدَثًا.

ذِكرُ طَرَفٍ من أخباره:

قال المطَّلب بن عكاشةَ المُزَني: قدمنا على الهادي في شهادةٍ على رجلٍ شتم قرشيًّا وتخطَّى إلى ذِكر رسولِ الله ، فجلس مجلسًا أَحضر فيه علماءَ أهلِ زمانه، وأَحضر الرجل، فشهدنا عليه بما سمعنا منه، فتغيَّر وجهُ الهادي ونكس رأسَه، ثم رفعه وقال: سمعتُ المهديَّ يحدِّث عن أبيه المنصور، عن أبيه محمدِ بن علي، عن أبيه عليّ، عن أبيه عبدِ الله بن عباسٍ قال: "مَن أراد هوانَ قريشٍ أهانه اللهُ تعالى"، وأنت يا عدوَّ الله لم ترضَ بأن أردتَ ذلك من قريشٍ حتى تخطَّيتَ (١) إلى ذِكر رسولِ الله اضربوا عُنقَه، فقتلوه.

وغضب الهادي على رجل، فكلِّم (٢) فيه، فرضي عنه، فأخذ يعتذر، فقال له الهادي: قد كفاك الرِّضا مؤونةَ الاعتذار.

ودخل مروانُ بن أبي حفصةَ على الهادي، فأَنشده حتى بلغ إلى قوله: [من الطويل]

تشابَه يوما بؤسه ونَوالِه … فما أحدٌ يدري لأيِّهما الفضلُ (٣)

فقال له الهادي: أيُّما أحبُّ إليك: ثلاثون ألفًا معجَّلةً أو مئةُ ألف تدوَّر في الدواوين؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنك تُحسن أحسنَ من هذا، ولكنك أُنسيتَه، أفتأذن لي أن أذكِّرَك؟ قال: نعم، قال: تعجِّل الثلاثين الألف وتدوِّر المئةَ الألف في الدواوين، فقال: لا، بل نجعل لك الجميعَ معجَّلًا، فحمل إليه المال.

وقال السِّندي بنُ شاهك: كنت مع الهادي بجُرجانَ وقد جاءه نعيُ المهدي، فسار على البريد وسرنا معه، فلمَّا فصلنا عن بيوت جرجانَ سمع من بعض تلك البساتينِ رجلًا يتغنَّى، فقال لصاحب شُرطته: عليَّ بالرجل الساعة، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، ما


(١) في (خ): تخطات. والمثبت من تاريخ بغداد ١٥/ ٩.
(٢) في (خ): فتكلم، والمثبت من تاريخ بغداد ١٥/ ٩.
(٣) الديوان ص ٨٥.