للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حزنٌ إلا وقد امتلأ عزاءً.

وقال يقطين بنُ موسى: إني لواقفٌ على رأسه ليلةً وعنده ندماؤه، إذ أتاه خادم فسارَّه بشيء، فنهض سريعًا وقال: لا تبرحوا، ثم عاد ومعه خادمٌ يحمل طبقًا مغطًّى بمنديل، وكشفه فإذا فيه رأسا جاريتَين لم أرَ في الدنيا أحسنَ منهما ولا أطولَ من شعورهما، وعلى رؤوسهما الجوهرُ منظوم، وإذا برائحةٍ طيبة تتوح، فأَعظمَ الحاضرون ذلك، فقال: تدرون ما شأنُهما؟ قالوا: لا، قال: بلغنا أنَّهما تَتَحاببان على المعصية، فوكَّلت بهما هذا الخادمَ يُنهي إليَّ أخبارَهما، فجاء فأخبرني أنَّهما قد اجتمعتا، فجئتُ فوجدتهما في لحافٍ واحد على الفاحشة، يا غلام، اذهب فادفنهما، ثم رجع إلى حديثه كأنه لم يصنعْ شيئًا.

وقد مدحه سَلْم الخاسر فقال: [من البسيط]

تخفَى الملوكُ لموسى عند طلعتِه … مثلَ النجومِ لقَرن الشمس إذ طلعا

وليس خَلقٌ يرى موسى (١) وطلعتَه … من البريَّة إلا ذلَّ أو خضعا

وقال موسى بنُ سعيد: كان أبي يساير الهاديَ وعبدُ الله بنُ مالك الخزاعيُّ صاحبُ شرطته يمشي بين يديه بالحَربة، فكان كلَّما وضعها على الأرض أَثارت ترابًا، فتحمله الريحُ إلى وجه الهادي، فقال لأبي: ما ترى ما نلقى من ابن مالك؟ فقال أبي: واللهِ ما أَخطأ الصواب، ولكنه حُرم التوفيق؛ لأنَّه لم يعلمْ بوصول الترابِ إلى وجه أميرِ المؤمنين، وقال الهادي: [من السريع]

لم يُخطِ عبدُ الله في فعله … لكنَّه فارق توفيقَه

قد وضح العُذرُ فأبلغه يا … خيرَ الورى في دنبه ريقه (٢)

وقال سعيدُ بن مسلم: صلَّى بنا الهادي فأُرتج عليه، فهِبناه أن نفتحَ عليه، فقرأ: ﴿أَلَيسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)[هود: ٧٨] ففتحنا عليه.

وقال محمدُ بن يزيدَ بن عمرَ بن عبدِ العزيز: خرجتُ مع الهادي إلى جُرجان،


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٢٢٥: يرى بدرًا.
(٢) كذا في (خ)، ولم نقف للبيت على مصدر.