للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرابع: أنَّه لما جدَّ في خلع هارونَ والبيعةِ لابنه جعفر، خافت الخيزرانُ على هارونَ منه، فدسَّت إليه في جواريها لَمَّا مرض مَن جلس على وجهه وغمَّه حتى مات.

ذِكرُ قصَّته مع يحيى بنِ خالد:

لما أَفضت الخلافةُ إلى الهادي أقرَّ يحيى على ما كان يلي هارون، فلمَّا أراد خلعَه والبيعةَ لابنه جعفرٍ وتابعه على ذلك جماعةُ القوَّاد ودسُّوا إلى الشيعة، فلم يرضَوا بذلك، وأَعرض الهادي عن أخيه هارون، فاجتنبه الناس، وكان يحيى وأولادُه لا يفارقون الرشيد، ويقومون بأمر جندِه، فسُعي بيحيى إلى الهادي، وقيل له: إنَّه ليس عليك من أخيك خلاف، وإنَّما يُفسده عليك يحيى بنُ خالد، فغضب وقال: عليَّ به، فودَّع يحيى أهلَه وتكفَّن وتحنَّط وأَوصى، ولم يشكَّ أنه يقتله، فلمَّا دخل عليه قال له: يا يحيى، ما لي ولك! فقال: أنا عبدُك، وهل يكون من العبد لمولاه إلَّا الطاعة! فقال: لِمَ تدخل بيني وبين أخي وتُفسده عليّ؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، ومَن أنا حتى أدخلَ بينكما! إنما المهديُّ صيَّرني إليه وأمرني بالقيام بأمره، ثم أمرتَني بذلك، فانتهيتُ إلى أمرك. فطابت نفسُه، وكان هارونُ قد طاب نفسًا بالخَلع، وقال ليحيى: أَستريح وآكل الهناءَ والمريء، وأعيش مع بنت عمِّي، وكان يجد بأمِّ جعفرٍ وجدًا شديدًا، فنهاه يحيى وقال: وأين هذا من الخلافة! لا تفعلْ واصبر.

وكان الهادي أَوصى الحاجبَ ألا يدخلَ عليه يحيى إلا آخرَ الناس، فدخل عليه يومًا وعنده عبدُ الصمد بنُ عليٍّ والعباسُ بن محمد وجِلَّة القوَّاد، فأَدناه حتى أجلسه بين يديه وقال: يا يحيى، قد كنت أَظلمك وأَكفرك، فاجعلني في حِلّ، فعجب الناسُ من إِكرامه إياه، وقال له: يا يحيى، مَن القائلُ فيك: [من الخفيف]

لو يمسُّ البخيلُ راحةَ يحيى … لَسختْ نفسُه ببذل النَّوالِ

لستُ يومًا مصافحًا كفَّ يحيى … إنَّني إن فعلتُ أُتلفُ مالي (١)

فقال: تلك راحتُك يا أميرَ المؤمنين.

وكلَّمه الهادي في خلع هارون، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّك إن حملتَ الناسَ على


(١) ذكر الطبري في تاريخه ٨/ ٢٠٩ البيت الأول فقط.