للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت: قدِّموا الهوادج، ما يُقعدنا هاهنا وقد مضى ابني! فلحقتْه إلى بغداد.

وقال هرثمةُ بن أَعيَن: كانت لي من الهادي منزلةٌ رفيعة واختصاصٌ كبير، وكنت شديدَ الحذرِ منه، فأدخلني دارَ الحُرَمِ وأخرج كلَّ مَن كان عنده وقال: قم فأَغلق البابَ وعُدْ إلي، فقلت: يريد أن يقتلَني، فقمت فأغلقت البابَ وعدتُ إليه، فقال: يا هرثمة، إنِّي قد تأذَّيت بهذا (١) الملحدِ الكلب يحيى بن خالد، ليست له فكرةٌ إلا في تضريب الرجال عليّ، واجتذابِهم إلى صاحبه هارونَ وسَوقِ الخلافة إليه، فاسمع ما أقول، تمضي إلى أخي هارونَ الساعةَ فتذبحه وتأتيني برأسه. قال: فورد عليَّ أمرٌ عظيم، وقلت: أتأذن لي في الكلام؟ قال: قل، قلت: أخوك وابنُ أمِّك وأبيك، وله عهدٌ كعهدك، وكيف تكون صورتُنا عند اللهِ وعند الناس؟! فقال: واللهِ لئن لم تفعل لأضربنَّ عنقَك الساعة، فقلت: سمعًا وطاعة. قال: ثم ترحلُ إلى الكوفة بالعساكر فتضرب أعناقَ آلِ أبي طالبٍ وأعداءنا، وكلُّ آفةٍ ترد علينا من جهتهم، قلت: سمعًا وطاعة. ثم قام فدخل دُورَ النساء، ولم أشكَّ أنه يقتلني ويندب لهذا الأمرِ غيري؛ لِمَا أظهرتُ له من الجَزَع عندما قال عن أخيه، وعزمت أنَّني متى خرجتُ من عنده هربت بن علي وجهي وتركت كلَّ ما أَملكه، وغلبني النُّعاس، فنمتُ على باب المجلسِ موقنًا بالهلاك، فما انتبهتُ إلا بخادمٍ قد أيقظني وقال: أَجِب أميرَ المؤمنين، فقلت: إنَّا لله، عمل عليَّ حجَّة ويقول: دخلتَ دارَ حرمي، ويقتلني، وتشاهدت، وإذا بصوتٍ نشأ في الدِّهليز، فوقفت وقلت: واللهِ ما أدخل حتى أسمعَ كلامَ أميرِ المؤمنين، وإذا بامرأةٍ تقول: ويحك يا هَرثمة، أنا الخَيزُران، قد حدث أمرٌ عظيم استدعيتك له، ادخل، فدخلت وإذا بستارةٍ ممدودة، فقالت: هذا موسى ميِّت وراءها، وقد أراحك اللهُ منه وأراح المسلمين، فقلت: وما كان من أمره؟ قالت: إنَّه لما استدعاك وقال لك ما قال من جهة قتلِ ابني والطالبيِّين وحريقِ الكوفة، كنت واقفةً أسمع، فلمَّا دخل، كشفتُ رأسي بين يديه وسألته ألا يفعل، فصاح عليّ، فكشفتُ ثديي وبكيت وتضرَّعت، فقال: واللهِ لأقتلنَّك، فقمتُ إلى المحراب أَدعو عليه وأسأل اللهَ أن يريحَ المسلمين منه، فألقى نفسَه على الفراش وطلب ماء، فشرب فشَرِقَ فمات، فقم فأَخبِر يحيى بنَ خالدٍ وخذ


(١) في (خ): هذا، والمثبت من الفرج بعد الشدة ٣/ ١٩.