للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال لي: يَا ابنَ المبارك، لا تعجبْ، فإنَّك أغثت ملهوفةً من ولدي، فسألتُ الله أن يخلق على صورتك مَلَكًا يحجُّ عنك إلى يوم القيامة، فهو يحجُّ عنك، فإن شئتَ أن تحجَّ وإن شئتَ لا تحجّ.

وقال عَبْدَةُ (١) بن سليمان: كنا في سريةٍ مع ابن المباركِ في بلاد الرُّوم، فصادفنا العدوّ، فلما التقى الصفَّان، خرج رجلٌ من العدوِّ فدعا إلى البِراز، فخرج إليه رجل ملثَّم، فطارده ساعة، فطعنه فقتله، ثم خرج آخَرُ من العدوّ، فطعنه فقتله، ثم خرج آخر وآخرُ وهو يقتلهم، فقتل أربعة، فازدحم عليه النَّاسُ وهو ملثَّم بكمِّه، فأخذتُ بطرف كُمِّه فمددته، فإذا هو عبدُ الله بن المبارك، قال: فقال: يَا أَبا عَمرو، وأنت ممَّن يُشَنِّع علينا؟

وقال ابنُ المبارك: حضرت بعضَ الغزوات، فبارزني عِلجٌ وطال القتالُ بيننا، وحضر وقتُ الصلاة، فقلت له: أريد أن أصلِّي، فقال: صلِّ فأنت آمن، فصلَّيت، فجاء وقتُ صلاته، فقال: أريد أن أصلِّي فأمِّني، فقلت: أَنْتَ آمن (٢)، فأخذ في صلاته، وحانت لي منه فرصة، فرفعت السيفُ لأضربَه، فسمعت قائلًا من الهواءِ يقول: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ [النحل: ٩١] ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٤] فوقع السيفُ من يدي، فلمَّا فرغ من صلاته قال: رأيتك رفعتَ السيف، فما أردتَ أن تفعلَ بعد الأمان؟ فقلت: أردت أن أقتلَك فسمعتُ قائلًا من الهواء يقول: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾، فبكى وقال: نِعمَ الربُّ ربٌّ يعاتب وليَّه في عدوِّه، ثم أَسلم وعاد معي إلى العسكر، فاستُشهد في بعض المغازي.

وقال: خرجنا في بعض الغزواتِ ومعنا فتًى كثيرُ الصلاة والصيام، ففقدتُهُ مدَّة، ثم حاصرْنا حصنًا، فبرز عِلج من الزِّحام فقتل مسلمًا، ثم برز إليه آخَرُ فقتله، حتَّى قتل عشرة من المسلمين، فبرزتُ إليه، فتأمَّلته فإذا به ذلك الفتى، فقلت: فلان؟ قال: نعم،


(١) في (خ): عبد الله، والمثبت من تاريخ بغداد ١١/ ٤٠٦، والمنتظم ٩/ ٥٩، والسير ٨/ ٣٩٤، وتاريخ الإِسلام ٤/ ٨٨٩. وعبدة بن سليمان من رجال التهذيب، روى له أبو داود، وهو صاحب ابن المبارك، انظر تهذيب الكمال (٤٢٠٢).
(٢) في (خ): أمين، في الموضعين!