للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سويد بنُ سعيد: رأيت ابنَ المبارك أتى زمزم، فأخذ شربةً من مائها وقال: اللهم إن نبيَّك قال: "ماءُ زمزمَ لما شرب له" (١) وإنِّي قد شربتُها لعَطَشِ يومِ القيامة.

واتَّفقوا على فضل ابنِ المبارك، وأَمانته، وصدقِه، وثقته، وزُهده، وجهادِه، واجتهاده، وحِكمته، وكرمِه، وسَخائه، وفصاحته، ونظمه، ونثره، وبلاغته، وأنَّه من أكابر المسلمين والأئمَّة المخلصين. وله التصانيفُ الكثيرة في فنون العلوم، منها كتاب "الزُّهد" وكتاب "الجهاد" وغيرُ ذلك، رحمه اللهُ تعالى.

عُفَيْرة (٢) العابدة البصريَّة

كانت من العابدات الخائفات. قال محمَّد بن عبيد: دخلنا على عُفيرةَ بالبصرة، فسألناها الدُّعاء، فقالت: لو خَرِس الخاطئون ما تكلَّمت عجوزكم، ولكن المُحْسِن أمر المسيءَ بالدُّعاء، جعل اللهُ قِراكم الجنة، والموت منِّي ومنكم على بال.

وكان لها ابنُ أخٍ غائب، فبُشِّرت بقدومه، فبكت وقالت: أَذكرني قدومُه القدومَ على الله تعالى، فقيل لها: فهذا يومُ سرور، فقالت: ما أجد للسُّرور في قلبي موضعًا مع ذِكر الآخرة إذا قدمنا على الله تعالى.

وكانت لا تنام الليلَ ولا تهدأ، وتقول: قَطَعَ ذِكرُ العَرْضِ على الله أوصال الخائفين.

* * *


(١) أخرجه ابن ماجه (٣٠٦٢)، وأَحمد (١٤٨٤٩) من حديث جابر ، والخبر في تاريخ بغداد ١١/ ٤٠٥.
(٢) في (خ): عفرة، والمثبت من المنتظم ٩/ ٥٦، وصفة الصفوة ٤/ ٣٣، والبداية والنهاية ١٣/ ٦٠٨. وقد ذكراها في سنة ثمانين ومئة.