للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجمعَ على هارونَ سوءَ القول وسوءَ الفعل.

ثم إنَّ العُمريَّ بعد ذلك خرج إلى هارون ليَعِظَه، فلما نزل الكوفةَ رجف العسكر، حتَّى لو كان نزل بهم مئةُ أَلْفٍ من العدوِّ ما زادوا على هَيبته، ثم رجع ولم يَصِل إليه.

وقال الطبري: وبلغ الرشيدَ، فجمع العُمَريّين وقال: ما لي ولابن عمِّكم؟! احتملتُه بالحجاز فشَخَص إلى دار مُلكي يريد أن يُفسد على أوليائي، ردُّوه عني، قالوا: ما يَقبل. فكتب إلى الكوفة إلى موسى بنِ عيسى أن يردُّوه برفقٍ، فدعا موسى ببُنيٍّ له صغيرٍ عشرِ سنين قد حفظ الخطبَ والمواعظ، فذكر ما لم يسمع العمريُّ بمثله، فأخذ نعلَيه وقام وهو يقول: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)(١) [الملك: ١١].

وقال الطبريّ: قال الرشيد: واللهِ ما أدري ما آمرُ في أمر هذا العُمَريّ، أكره أن أقدَمَ عليه وله خَلَفٌ أكرههم، وإنِّي لأحبُّ أن أعرفَ طريقته ومذهبه، وما أثق بأحدٍ أبعثه إليه، فقال له عمرُ بن بَزيع والفضل بن الرَّبيع: فنحن، قال: فأنتما. وكانوا بطريق مكة، وكان العمريُّ يسكن بالبادية بخلْص (٢)، فأتيا إليه في زِيّ الملوك والطِّيبُ يفوح من ثيابهم، وإذا به في مسجد، فدخلا عليه وسلَّما، وقالا: يَا أَبا عبدِ الرَّحمن، نحن رسلُ مَن خلفنا من أهل المشرق، يقولون لك: اتَّقِ الله ربَّك، وإذا شئتَ فقم.

فأَقبل عليهما وقال: ويحكما (٣)، والله ما أحبُّ أن ألقى الله بمَحْجَمَةِ دمِ امرئٍ مسلم وأنَّ لي ما طلعت عليه الشمس. فلمَّا يئسا منه قالا: إنَّ معنا شيئًا تستعين به على دهرك، فقال: لا حاجةَ لي فيه، أنا في غنًى عنه، فقالا: إنَّها عشرون ألفَ دينار، قال: لا حاجةَ لي فيها، قالا (٤): فأَعطِها مَن رأيت، فقال: اِفعلَا ذلك أنتما، فما أنا بخادمٍ ولا عَوْن. فلمَّا يئسا منه عادا إلى هارونَ فأخبراه، فقال: ما أبالي ما أَصنع بعد هذا.

وقال العمريُّ عند موته: بنعمة ربِّي أحدِّث، إنِّي أصبحتُ لا أملك سوى أربعةٍ أو


(١) تاريخ الطبري ٨/ ٣٥٨.
(٢) في (خ): خليص، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٣٥٤، وخَلْص: موضع بآرة بين مكة والمدينة، واد فيه قرى ونخل. معجم البلدان.
(٣) في (خ): ويحك.
(٤) في (خ): قال.