للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَمر بالرجل فأُخرج. قال أبو يوسُف: فإني خائفٌ حيث لم أسأله أن يقعدَ مع خصمه، أو يأذنَ لخصمه أن يقعدَ معه على السَّرير.

قال: بينا أنا قد أَويتُ إلى فراشي، وإذا بداقٍّ يدقُّ الباب دقًّا عنيفًا، فأزعجني ومَن عندي، فخرجت، فإذا هَرْثَمَةُ بن أَعيَن، فقال: أَجِب أميرَ المؤمنين، فقلت: أَمهِلْني حتَّى أغتسلَ وأتحنَّط وأتكفَّن؛ فما طلبني في هذا الوقتِ لخير. ففعلتُ وخرجت معه، فأتينا دارَ الخليفةِ ومسرور قائم، فقال: اُدخل، فدخلت، وإذا به جالسٌ وعن يمينه عيسى بنُ جعفر، فسلَّمت، فردَّ وقال: أظنَّنا روَّعناك، قلت: إِي والله، ولمَن خلفي، قال: اِجلس، فجلستُ وسكن رَوْعي، ثم قال: أتدري لمَ دعوتك؟ فقلت: لا، قال: هذا -وأشار إلى عيسى بنِ جعفر- عنده جارية، وقد سألته أن يبيعَني إيَّاها أو يهبَها لي، واللهِ لئن لم يفعْل لأَقتلنَّه، فقلت لعيسى: وما قَدرُ جاريةٍ حتَّى تَمنعَها أميرَ المؤمنين؟ فقال: عجلتَ عليَّ بالقول قبل أن تعرفَ ما عندي، إنِّي حلفت بالطلاق والعِتاق وصدقةِ ما أملك ألا أبيعَها ولا أهبَها، فقلت: تهبُ نصفَها وتبيع نصفَها، فتكون لم تبعْها ولم تهبْها، قال: أَوَ يجوز ذلك؟ قلت: نعم، قال: فإنِّي أُشهدك أنِّي قد بعتُه نصفَها بمئة ألفِ دينارٍ ووهبته نصفَها، قلت: فتحضر الجارية، فحضرت وحضر المال، فقبضه عيسى وانصرف.

فقال لي الرَّشيد: يا يعقوب، هي مملوكةٌ ولا بُدَّ أن تُستبرأ، وواللهِ لئن لم أَبِت ليلتي معها إنِّي لأظنُّ أنَّ نفْسي ستخرج، فقلت: أَعتقْها وتزوَّجها؟ فإنَّ الحرَّة لا تُستبرأ، قال: فإنِّي عتقتها، فمن يزوِّجني إيَّاها؟ فقلت: أنا. فدعا بمسرورٍ وحسين، وزوَّجته إيَّاها على عشرين ألفِ دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها، وقال: انصرفْ، فانصرفت. فبعث في آثاري بمئتَي ألفِ درهمٌ وعشرين تختًا (١) من الثِّياب، وبعثَتْ إليَّ الجاريةُ بعشرة آلافِ دينار، وقالت: واللهِ ما عندي غيرُها، والنصفُ الآخَر أصرفه فيما لا بدَّ لي، فقلت: أَخرجتُها من الرِّقِّ وزوَّجتها بأمير المؤمنين وتقابلني بمثل هذا؟! فلم تزل تشفع إليَّ حتَّى قبلتُها.


(١) وعاء تصان فيه الثياب.