للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضحك هارونُ ووصله بمالٍ عظيم.

أَسند إبراهيمُ عن أبيه سعد، وكان أبوه قاضيًا على المدينة. وروى عنه شعبةُ بن الحجَّاج (١) وغيرُه. وأَجمعوا على أنَّه كان ثقة. ودُفن بباب التِّبْن.

عليُّ بن الفُضيل بنِ عياض (٢)

مات في حياة أبيه، وكان عالمًا، ديِّنًا، صالحًا، خائفًا على حداثة سِنِّه لم يبلغ عشرين سنة، وكان يدقِّق في الورع، ويبالغُ في المطعم، وكان يصلِّي حتَّى يزحفَ إلى فراشه زحفًا، ثم يلتفتُ إلى أبيه فيقول: يا أَبة، سبقني العابدون.

وبكى يومًا، فقال له أبوه: ما يُبكيك يا بُنيّ؟ فقال: أخاف ألا تجمعَنا القيامةُ غدًا.

وقال سفيانُ بن عُيينة: ما رأيت أخوفَ لله من الفضيل وابنهِ عليّ.

وكان الفضيلُ إذا علم أنَّ ابنه عليًّا خلفه -يعني في الصَّلاة- مرَّ ولم يَخَف ولم يحزن، وإذا علم أنَّه ليس خلفه تنوَّق في القراءة وحزن وخوَّف. فظنَّ يومًا أنَّه ليس خلفه، فأَتى على هذه الآية: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَينَا شِقْوَتُنَا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] فخرَّ مغشيًّا عليه، وقيل لأمِّه: أَدركيه، فجاءت فرشَّت الماءَ على وجهه، وجاء الفضيلُ فجلس عند رأسِه، فقالت له أُمُّه: قد علمت أنَّك قاتلُ هذا الغلام. فأَفاق، فمكث حينًا، فظنَّ يومًا أنَّه ليس خلفه، فقرأ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر: ١ - ٢] فخرَّ ميِّتًا.

وقال الخطيب: الآيةُ التي مات فيها هي قولُه تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَاليتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام: ٢٧] الآيةَ. وفي رواية ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر: ٤٧].

وخرج الفُضيل في جنازته وهو متبسِّم، ولم يُرَ متبسمًا إلَّا في ذلك اليوم، فقيل له: يموت عليٌّ وتتبسَّم؟! فقال: إنَّ الله تعالى أراد أمرًا فأحببتُه. وكانت وفاتهُ بمكَّة. أَسند عن أبيه وسفيانَ بن عيينةَ وعبدِ العزيز بن أبي روَّادٍ وغيرِهم.


(١) وهو من شيوخه.
(٢) حلية الأولياء ٨/ ٢٩٧، المنتظم ٩/ ٨٥، تهذيب الكمال (٤٧١٠)، تاريخ الإسلام ٤/ ٦٩٤.