للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنشكر فيزيدنا، أو نكفرَ فيعاقبنا، إنما الخلق للخالق، والشكرُ للمنعم، والتسليمُ للقادر، ولابدَّ من كون ما هو كائن، وإن التفكر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، وقد ورد الأولُ، ولابدَّ للآخر من اللحاق به، وقد مضى قبلنا أصولٌ نحن فروعها، فما بقاء الفروع بعد ذهاب الأصول، وإنَّ الله أعطانا الملك، فله الحمد ونسأله الرشدَ واليقين والصدق، وإنما للمَلِك على أهل مملكته أن يطيعوه ويناصحوه، ويقاتلوا عدوَّه، وحقهم على الملِكِ إدرار أرزاقهم، وأن يرفقَ بهم، ويحسنَ إليهم، ولا يحملهم ما لا يطيقون، ولا يكلفهم ما هم عنه عاجزون. واعلموا أن الجند للمَلِك بمنزلة جناحي الطائر، فمتى نقص من الجناح ريشُهُ كان ذلك نقصانًا منه. وينبغي أن يكون الملِكُ جوادًا صدوقًا، لا كذوبًا ولا ظالمًا، ولا حقودًا ولا حسودًا، ولا بخيلًا، وأن يملك نفسه عند الغضب، فإنه مسلَّط ويده مبسوطة، وأن يكون عفوًّا صفوحًا، ولأن يخطئ في العفو خيرٌ من أن يصيب في العقوبة. وينبغي للملك أن يتثبَّتَ في الأمر الذي فيه قتلُ النفسِ وإزهاقُ الروح، وإن رفع إليه عاملٌ ما فيه عقوبة، جمع ما بينه وبين المتظلِّم، فإن صحَّ عنده الحقُّ في جهةٍ مال إليها. ألا وإنَّ الملك ملكٌ إذا أطيع، فإذا خولف فهو مملوك. ألا وإنَّ العدوَّ قد طمع فيكم، فانهضوا إلى قتاله، وقد أَزَحْتُ العللَ بالأموال والسلاح، وأنا شريككم في الرأي إن شاء الله؛ وذكر كلامًا طويلًا.

ثم أمر بالطعام فمدَّت الموائد، وأفاض عليهم الإنعام، فدعوا له وشكروه، وكتبوا هذه الخطبة بماءِ الذهب، وأودعوها في خزائن الفرس، فما زالوا يتوارثونها. وعاش في الملك مئة وعشرين سنة، وسار في جيوشه إلى الترك، فدوَّخ بلادهم. وولي بعده أفراسياب، وقيل: ابن أفراسياب التركي، وسنذكره (١).

وفي زمان شعيب كان الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ويلقب بالرائش، وسنذكره في ملوك اليمن، إن شاء الله تعالى.

* * *


(١) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٣٨٠ - ٣٨١ - ٣٨٢ - ٣٨٣، و"المنتظم" ١/ ٣٢٧ - ٣٢٨ - ٣٢٩.