للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها (١). أنه لمَّا حبس الرشيد عبدَ الملك، قال له عبدُ الله بن مالكٍ الخُزاعي -وكان على شرطته: يا أميرَ المؤمنين، ما علمتُ عبدَ الملك إلَّا ناصحًا، فلمَ حبستَه؟ قال: بلغني عنه ما أَوحشني، ولم آمنْه أن يضربَ بين ابنيَّ الأمين والمأمون، فإنْ رأيتَ أن تُطلقَه أَطلقناه، فقال: أمَّا إذ حبستَه، فلستُ أرى إِطلاقة في قريب المدَّة، ولكن تحبسُه مَحْبَسًا كريمًا، يشبه محبسَ مثلِك لمثله، قال: نعم. ودعا الفضلَ بن الربيع (٢) وقال له: اِمضِ إلى عبدِ الملكِ إلى محبسه، وقل له: انظر ما تحتاجُ إليه في محبسك فأمُرْ به.

ومنها: أنَّ هارونَ قال له يومًا في بعض ما كلَّمه به: ما أنت لصالح، قال: فلمَن أنا؟ قال: لمروانَ الجَعديّ، قال: ما أبالي أيُّ الفَحْلَين غلب عليّ، فحبسه الرَّشيد عند الفضلِ بن الرَّبيع، فلم يزل محبوسًا حتى توفِّي الرشيد، فأَطلقه محمَّد وعقد له على الشَّام، فكان مُقيمًا بالرقَّة، وجعل لمحمَّد عهدَ اللهِ وميثاقَه إنْ أصيبَ محمَّد وهو حيّ لا يعطي المأمونَ طاعةً أبدًا، فمات قبل محمَّد، فدُفن في دارٍ من دُور الإِمارة بالرَّقة، فلمَّا خرج المأمونُ يريد الرُّوم، أَرسل إلى ابنٍ له: حوِّل أباك من داري، فنُبشت عظامهُ وحوِّلت.

ومنها: أنِّ الرشيد بعث إلى يحيى ينِ خالدٍ وهو محبوس يقول له: إنَّ عبد الملكِ بن صالحٍ أراد الخروجَ عليّ، وأن يُنازعَني في الملك، وقد علمتَ ذلك، فأَخبرني واصدُقْني، فإنْ صدقتَني أُعدتَ إلى حالك، فقال يحيى: واللهِ ما اطَّلعتُ منه على شيءٍ من هذا، وكيف يكون ذلك وملكُك مُلكي وسلطانُك سُلطاني؟! وهل كان يفعل بي لو وافقتُه أكثرَ من فعلك؟! فأُعيذك بالله من ذلك أن تظنَّ بي هذا الظنّ، ولكنَّه كان رجلًا محتملًا، يسرُّني أن يكونَ في أهلك مثلُه، فولَّيتُه لِمَا حَمدتُ من مذهبه، وملتُ إليه لاحتماله وأدبِه.

فلمَّا أتاه الرسولُ بهذا قال له: إن أنت لم تقرَّ عليه قتلتُ ابنَك الفضل، فقال: قل له: أنت مسلَّط علينا فافعل ما بدا لك، فقال الرَّسول: لا بدَّ من إنفاذ [أمر] (٣) أميرِ


(١) أي: من أسباب غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح.
(٢) في (خ): المفضل بن يحيى، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٣٠٥، وسيأتي على الصواب قريبًا.
(٣) ما بين معكوفين من تاريخ الطبري ٨/ ٣٠٦.