للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين، ولم يشكَّ أنه قاتلُه، فودَّع الفضلُ أباه وقال: ألستَ راضيًا عني؟ قال: بلى. فغاب عنه ثلاثةَ أيام، ثم اعاده إليه لمَّا لم يجد عندهما شيئًا من ذلك. وقيل: إنَّ الرسول كَان مَسْرورًا الخادم.

ومنها: أنَّ الرشيدَ بينما هو يسير في مَوْكِبه وعبدُ الملك معه يسايره، هتف به هاتف: يا أميرَ المؤمنين، طأطِئْ من إِشرافه، وقصِّر من عِنانه، واشدُد من شكائمه، وإلَّا فَسَدتْ عليك ناصيتُه. فقال الرشيدُ لعبد الملك: ما يقول هذا؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، مقال باغٍ ودَسيسَ حاسد، فقال هارون: صدقتَ، نَقَصَ القومُ وفَضَلْتَهم، وتخلَّفوا وتقدَّمتَهم، حتى برز شأوُك، وقَصَّر عنه غيرُك، ففي صدورهمِ جَمَراتُ التخلُّف، وحَزازاتُ النَّقص، فقال عبدُ الملك: لا أَطفأها الله (١)، وأَضْرَمَها عليهم حتى يورثَهم كَمَدًا دائمًا.

وكان عبدُ الملك يسكن مَنْبج، فمرَّ به هارون، فقال له: هذا منزلُك؟ قال: هو لك يا أميرَ المؤمنين، وهو لي بك. فقال: كيف هو؟ قال: دون بناءِ أهلي، وفوق منازلِ مَنْبج، فقال: كيف لينُها؟ فقال: سَحَرٌ كلُّه.

وفيها: نقض نقفورُ ملكُ الرومِ الصلحَ الذي كان بينه وبين المسلمين، كانت ملكةُ الرومِ التي يقال لها: ريني قد صالحت المسلمين على ما ذكرنا، وأنَّ الرومَ وثبت عليها فخلعتْها وملَّكت نقفور، والرومُ تزعم أنَّه من أولاد جَفْنَةَ من غسَّان. وماتت ريني بعد خمسةِ أشهرٍ من خلعها.

ولمَّا استقام أمرُ نقفورَ واستولى على البلاد، كتب إلى الرَّشيد كتابًا يقول في أوَّله: باسم الأبِ والابنِ ورُوح القُدس (٢)، من نقفور ملكِ الرُّوم إلى هارونَ ملكِ العرب، أمَّا بعد: فإنَّ الملكةَ التي كانت قبلي أَقامتْك مقامَ الرُّخّ، وأقامت نفسَها مقامَ البَيدَق، فحملَتْ إليك من أموالها ما كنتَ حقيقًا بحمل مثلِه إليها، ولكن ذاك ضعف النساءِ وحُمقُهنّ، فإذا قرأتَ كتابي هذا، فاردُدْ ما حصل قِبَلك من أموالها، وافتدِ نفسَك بما


(١) في (خ): أطفأ الله، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٣٠٦.
(٢) قوله: باسم الأب والابن وروح القدس، لم يذكره من ذكر الخبر والكتاب، انظر تاريخ الطبري ٨/ ٣٠٧، والمنتظم ٩/ ١٣٨، والكامل ٦/ ١٨٥، وتاريخ الإسلام ٤/ ٧٩٠، والبداية والنهاية ١٣/ ٦٤٩.