للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُثنَ عليك، وما عليك أن تكونَ مَذمومًا عند الناسِ إذا كنت عند اللهِ محمودًا.

وقال الفيضُ بن إِسحاق: سمعتُ الفضيلَ يقول: لو قيل لك: يا مُرائي، لغضبتَ وشقَّ عليك، وعساه قال حقًّا، تزيَّنتَ للدنيا من حبِّك لها، وتصنَّعتَ حتى عرفوك الناسُ فأَكرموك، وإنَّما عرفوك بالئه، ولولا ذلك لَهُنتَ عليهم، تَزَيَّنْتَ لهم بالصوف فلم ترهم يرفعون بك رأسًا، فتزيَّنت لهم بالقرآنِ فلم ترهم يرفعون بك رأسًا، فتزيَّنت بشيءٍ بعد شيءٍ، كلُّ ذلك إنَّما لحبِّ الدنيا.

وقال منصورُ بن عمار: تكلّمتُ في المسجد الحرامِ فذكرتُ شيئًا من صفة النَّار، فصاح الفضيلُ بن عياضٍ ووقع مغشيًّا عليه.

وكان الفضيلُ يقول: لو خُيِّرتُ بين أن أعيشَ كلبًا وأموتَ كلبًا لاخترتُه.

وقال مِهران بن عمر (١) الأَسدي: سمعتُ الفضيلَ عشيةَ عرفةَ بالمَوْقف يقول وقد حال البكاءُ بينه وبين الدُّعاء: واسوأَتاه منكَ وإنْ عفوتَ أو غَفرتَ.

وقال سعدُ بن زنبور (٢): كنَّا على باب الفضيلِ بن عياضٍ، فاستأذنَّا عليه، فلم يؤذنْ لنا، فقيل لنا: إَّنه لا يخرج إليكم أو يسمعَ القرآن، وكان معنا رجلٌ مؤذِّن، وكان صبيًّا، فقلنا له: اقرأ، فقرأ: ﴿ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)﴾ ورفع صوتَه، فأَشرف علينا الفضيلُ وقد بكى حتى بلَّ لحيتَه بدموعه، فقال: [من المتقارب]

بلغتُ الثَّمانينَ أو جُزْتُها … فماذا أُؤمِّل أو أَنتظر

أَتَى في ثمانونَ من مولدي … وبعدَ الثمانين ما يُنْتَظر

عَلَتْني السِّنون فأبْلَينني

ثم خنقته العَبْرة، وكان معنا عليُّ بن خَشْرَم، فأتمَّه لنا فقال:

فرقَّتْ عظامي وكلَّ البَصرْ

وأخذ الفضيلُ بيد سفيانَ بنِ عُيينةَ وقال: إنْ كنتَ تظنُّ أنَّه قد بقي على وجه الأرضِ شرّ مني ومنك، فبئس ما تظنّ.


(١) في صفة الصفوة ٢/ ٢٣٩: عمرو.
(٢) في (خ): سعيد بن زهور، والمثبت من تاريخ دمشق ٥٨/ ١٨٦، وصفة الصفوة ٢/ ٢٣٩.