للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: لَأَن يصحبَني فاجرٌ حسن الخُلقِ أحبُّ إليَ من أن يصحبَني عابدٌ سيِّئُ الخلق. وقال: ليست الدُّنيا دارَ إقامة، وإنَّما أُهبط آدمُ إليها عقوبةً له، أَلَا ترى إلى ما جرى عليه وعلى ذرِّيته إلى يوم القيامة، تارةً بالعُري، وتارةً بالجوع، وتارة بالحاجة إلى الناس، فاللهُ سبحانه مرمرها عليهم، وجعلها دارَ نَصَب، واللهُ سيصنع بذرِّية آدمَ ما يشاء، كما تصنع الوالدةُ بولدها، تارةً تَسقيه صَبِرًا (١)، وتارةً دواءً غير مُرّ، وإنَّما تريد بذلك ما هو الأنفعُ له.

وقال: مَن استحوذت عليه الشَّهوات، انقطعت عنه موادُّ التوفيق.

وجلس إليه رجل، فقال: ما الذي أَجلسك إليّ؟ قال: رأيتُك وحدك فجئت لأُؤانسَك، فقال له الفضيل: أنا منذ أربعين سنةً أَستأنس بالوحدة، فإمَّا أن تقومَ عني أو أقومَ عنك، فقال له الرجل: أَوصِني، فقال: أَخفِ مكانَك واحفظ لسانَك.

وقيل له: ما لنا لا نرى خائفًا؟! فقال للسَّائل: لو كنتَ خائفًا لرأيتَ الخائفين، إنَّ الثَّكلى هي التي تحبُّ أن ترى الثَّكالى.

وقال أبو العباسِ خادمُه: احتبس بولُ الفضيل، فرفع يديه وقال: بحبِّي لك إلَّا أَطلقتَه عني، فما بَرِحنا حتى شُفي.

وقال الفضيل: أَقمتُ ثلاثًا لم أَطْعَم، فدخلتُ مسجدًا من مساجدِ الكوفة، فإذا مجنونٌ قد دخل وفي عنقه سلسلةٌ وبيده حَجَرٌ، فقصدني، فخفتُ منه، فقال: [من الطويل]

محلُّ بيانِ الصَّبر منك غريزةٌ (٢) … فيا ليت شِعري هل لصَبْرك من أَجرِ

قال: فقلت: لولا الرجاءُ لم أصبر، فقال: أين محُّل الصبرِ ومستقرُّ الرجاءِ منك؟ فقلت: موضعُ مستقرِّ همومِ العارفين، فصاحَ وقال: صدقت، ثم قال: أَلَا تسألني عن حالي؟ قلت: بلى، فقال: عرفتُه فاستأنستُ به، وأحببته فارتحلتُ إليه، ثم قال: أَمَا


(١) الصبر: الدواء المر، وانظر أقواله في مناقب الأبرار ١/ ٤٢ - ٤٥.
(٢) في (خ) ومناقب الأبرار ١/ ٤٨: عزيزة، وفي طبقات الأولياء لابن الملقن ص ٢٦٩: عزيز، والمثبت من تاريخ دمشق ٥٨/ ١٣٦.