للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمَّا انصرف الرشيدُ من الرَّي، أَدركه الأَضحى بقصر اللُّصوص، فضحَّى به، ثم دخل بغدادَ لليلتين بقيتا من ذي الحِجَّة، فلمَّا مرَّ بالجِسْر أَمر بإِحراق جثَّةِ جعفر -وقيل: إنَّه كان أَمر بذلك عند توجُّهه إلى خُراسان- ولم ينزل بغداد، وسار يطلب الرقَّة، فنزل بالسَّيلَحِين، فقيل له: يا أميرَ المؤمنين، طويتَ بغدادَ فلم تنزلْها! فقال: والله إِنِّي لأَعلم أنَّ ما في الشَّرق والغربِ مدينةً مثلَها، وإنَّها لَوطني ودارُ ملكِ بني العباس، وما قال أَحدًا من آبائي بها سوء، لَنِعم الدارُ هي، ولكن لا بدَّ من المُناخ على ناحية أهلِ النِّفاق والشِّقاقِ خوفًا منهم، ولولا ذلك ما خرجتُ منها أبدًا. وفي ذلك يقول العباسُ بن الأَحنف: [من الخفيف]

ما أَنخْنا حتَّى ارتحَلْنا فما نَفْـ … ـرُقُ بين المناخِ والارتحالِ

ساءَلونا عن حالنا إذ قَدِمنا … فَقَرَنَّا وداعَهم بالسُّؤال (١)

وفي هذه السَّنةِ بعث نقفورُ إلى الرَّشيد يطلب الصُّلحَ والفداء، فأَجابه، فلم يبقَ بأرض الرُّومِ من الأُسارى مسلمٌ إلَّا فُودي به، وقيل: إنَّهم بلغوا أربعةَ آلافِ مسلم، فقال مروانُ بن أبي حَفْصَة: [من الطويل]

وفُكَّت بك الأَسرى التي شُيِّدت لها … مَحابسُ ما فيها حَميمٌ يزورُها

على حينَ أعيا المسلمين فِكاكُها … وقالوا سجونُ المشركين قبورُها (٢)

وحجَّ بالناس العباسُ [بن موسى] (٣) … بنِ عيسى بن موسى بنِ محمَّد بن عليِّ بن عبدِ الله بنِ عباس.

إسحاق بنُ عبدِ الرَّحمن

ابنِ المغيرةِ بن حُميد بن عبدِ الرَّحمن بنِ عَوفٍ الزّهري (٤).

من الطبقة الخامسةِ من أهل المدينة، وأبوه عبدُ الرَّحمن هو الذي يقال له: غُرَير.


(١) تاريخ الطبري ٨/ ٣١٧، والكامل ٦/ ١٩٢، والبداية والنهاية ١٣/ ٦٦٨.
(٢) وقع في (خ): عدة تحريفات في البيتين، أصلحتها من الديوان ص ٤٠، وتاريخ الطبري ٨/ ٣١٨، والمنتظم ٩/ ١٦٣.
(٣) زيادة من تاريخ الطبري والمنتظم.
(٤) تاريخ بغداد ٧/ ٣٢١، والمنتظم ٩/ ١٦٣، وتاريخ الإسلام ٤/ ٨٠٧.