للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سكن بغداد، وكان في صحابة المهديِّ والهادي والرشيد، وكان جوادًا ممدَّحًا، وفيه يقول الشاعرُ (١) وفي أخيه يعقوب: [من الطويل]

نفى الجوعَ عن بغدادَ إِسحاقُ ذو النَّدى … كما [قد] نفى جوعَ الحجازِ أَخوهُ

وما يكُ من خيرٍ أَتَوه فإنَّما … فِعالُ غُرَيرٍ قبلَهم وَرِثوه

فأُقسمُ لو ضاف الغُرَيريَّ بَغْتَةً … جميعُ بني حوَّاءَ ما حَفَلوه

هو البحرُ بل لو حلَّ بالبحر رِفدُه … ومَن يَجتديه ساعةً نَزَفوه

وكان إسحاق مُعجَبًا بعَبَّادة جاريةِ المُهلبية، وكانت مُنْقَطِعةً إلى الخَيزُران (٢)، ذاتَ منزلةٍ عندها، فركب عبدُ الله بنُ مُصعبِ بن الزبير وإسحاق إلى المهديّ، وكانا يأتيانه في كلِّ عشيةٍ فيقيمان عنده حتى ينقضيَ سَمَرُه، فلقيا في طريقهما عبَّادة، فساق إسحاق دابَّته ومضى فنظر إليها ثم عاد، ودخلا على المهديّ، فأخبره مصعبٌ بخبر إسحاق وما كان منه، فقال المهديّ: أنا أَشتريها لك.

وقام من وقتِه فدخل على الخَيزُران، فقال: أين المُهَلَّبية؟ فجاءت، فقال: تبيعيني عَبَّادةَ بخمسين ألف درهم؟ فقالت: إنْ كنتَ تريدها لنفسك، فبها فداكَ الله، فقال: إنَّما أُريدها لإِسحاق بن غُرير، فبكت الجارية، وقالت الخيزران: ما يُبكيك؟! واللهِ لا يقدر عليكِ ابنُ غُرير أبدًا، وصار ابنُ غريرٍ يتعشَّق جواريَ الناس؟! فخرج المهديّ فأَخبر إِسحاق، وأَمر له بخمسين ألف درهم، فأَخذها، وقال أبو العتاهية: [من المنسرح]

حبُّك المال لا كحبِّك (٣) عَبَّا … دةَ يا فاضحَ المُحبِّينا

لو كنتَ أَخلصتَها الوفاءَ كما … قلت لمَا بعتَها بخمسينا

وكانت وفاة إسحاق ببغدادَ في هذه السنة، ورثاه مِكْنَفٌ من ولد زهيرِ بن أبي سُلمى فقال: [من الكامل]


(١) هو الصهيبي كما في نشوار المحاضرة ٦/ ٢٦، وتاريخ بغداد ٧/ ٣٢٢، والمنتظم ٩/ ١٦٤ (على تحريف فيه)، والتبيين ٢٩٨. وما يأتي بين حاصرتين منها.
(٢) يعني أن المهلبية منقطعة إلى الخيزران، كما في المصادر.
(٣) في (خ): كحب، والمثبت من ذيل الديوان ص ٦٤٨، ونشوار المحاضرة ٦/ ٢٩، وتاريخ بغداد ٧/ ٣٢٣، والمنتظم ٩/ ١٦٥.