للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: اِلزمنا فيوشك أن يكونَ لك شأن، فلَزِمه.

وكان لمحمَّد في مسجد الكوفةِ حلقةٌ وهو ابنُ عشرين سنة. وكان حسنَ الصلاةِ كثيرَ الخشوع، يقرأ القرآنَ في ثلاثة أيَّام، مشغولًا بنفسه عن مخالطة الناس، حافظًا لوقته، مستغرقَ الزمانِ في تصانيف الكتبِ وشرحها.

وكان الإمام الشافعي يُثني على محمَّد بنِ الحسن ويقول: ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بالحلال والحرامِ والناسخِ والمنسوخِ من محمَّد، ولولاه ما انفتق لي من العلمِ ما انفتق، وما رأيتُ أعقلَ منه.

وكان محمَّدٌ إذا ذُكر عنده الشافعيُّ يقول: مرحبًا بمَن يملأ الأُذن سَمعًا، والقلبَ فَهْمًا، والعينَ رَوْنقًا، وقال الشافعيُّ : أخذتُ عن محمَّد بن الحسن حِملَ بعيرٍ ذَكَر، وما رأيتُ سمينًا أخفَّ روحًا منه ولا أفصحَ منه.

وقال رجلٌ للشافعي: خالفك الفقهاءُ في المسألة الفلانية، فقال: ومَن الفقهاء؟ وهل رأيت فقيهًا قطّ؟ اللهمَّ إلا أن يكون محمَّد بن الحسن، فإنَّه كان يملأ العينَ والقلب.

وكان محمَّد يقول لأهله: لا تسألوني حاجةً من حوائج الدُّنيا فتشغلوا قلبي، وخذوا ما تحتاجون إليه من وكيلي، فإنَّه أقلُّ لهمِّي وأفرغُ لقلبي.

قال إبراهيمُ الحَرْبي قلت لأحمدَ بن حنبل: من أين لك هذه المسائل الدِّقاق؟ فقال: من كتب محمَّد بن الحسن.

وقال هارون لمحمَّد: إنَّ عمرَ بن الخطَّاب صالح بني تَعلِبَ على ألا ينصِّروا أولادَهم، وقد نصَّروا أولادَهم [وحلَّت بذلك دماؤهم، فما ترى؟ قال: قلت: إنَّ عمرَ أمرهم بذلك وقد نصَّروا أولادَهم] (١) بعد عمرَ في أيَّام عثمان، واحتمل لهم ذلك، وهو مذهب ابن عمِّك عليِّ بنِ أبي طالب، وكان من العلم بمكانٍ لا يخفى، ورأيُك أَعلى. فقال: إنَّ الله أمر رسولَه بالمشورة فقال: ﴿وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩]. ونحن نُجريهم على ما كانوا عليه، ولا نتعرَّض لهم.

وكان محمَّد لا يرى صحبةَ السُّلطان وينهى عنها، وكان هارونُ يعترف بفضله ويُثني


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ بغداد ٢/ ٥٦٤.