للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففصَّله حتى جعله أَشلاء، فقال: عُدَّ أعضاءه، فعدَّها، فإذا هي أربعةَ عشرَ عضوًا، فرفع يديه وقال: اللهمَّ كما مكَّنتني من هذا فمكِّني من أخيه، وغُشي عليه، فتفرَّق مَن كان حوله.

وقيل: إنَّه فعل ذلك بابن عمٍّ رافعٍ أيضًا، فقال القاضي التَّنوخي (١): لمَّا سار هارونُ إلى طوسَ واشتدَّت علَّته وبلغ خبره إلى ولده الأمين، استدعى بَكْرَ بن المُعْتَمر، ودفع إليه كتابًا ظاهرًا إلى هارونَ يتضمَّن عيادته والسؤال عنه، وكتبًا باطنةً إلي الفضل بنِ الربيع وإسماعيلَ بن صَبيح وغيرِهما من القوَّاد، يأمرهما إنْ حَدَث بأبيه حدثٌ أن يقفُلوا إلى بغدادَ بما في العسكر من الأموال وغيرِها، وكان هارونُ قد أَشهد عليهم أنَّ الجميع لابنه المأمون، فلمَّا دخل بكر بنُ المعتمر على هارونَ ودفع إليه الكتاب، وقف عليه وقال: وأين الكتبُ التي معك؟ فأنكر، فحبسه، ثم جلس في مَضرب خزٍّ أسود استدارتُه أربعُ مئةِ ذراع، في أركانه قِبابٌ مغشَّاة بخزٍّ أسودَ والحبال من الإِبرِيسَم الأسود، والأوتادُ سود، وهو جالس في مرتبةٍ سوداء، وخادمٌ من خلفه يمسكه، وعليه قَباء خزٍّ أسود، وقد أذن للناس عليه، والفضلُ بن الربيع جالسٌ بين يديه، فقال: علي ببكر بنِ المعتمر، قال: فحضرت، فقال: واللهِ لئن لم تُحضر الكتبَ التي جاءت معك لأقتلنَّك، فقلت: ما جاء معي غيرُ كتابِ أمير المؤمنين.

وأَحضر هارونُ أخا رافعِ بن الليث ومعه قرابتُه، فقال هارون: أيتوهَّم رافعٌ أن يغلبَني، فواللهِ لو كان معه عدد نجوم السماءِ لقتلتهم، فقال له أخو رافع: اللهَ اللهَ فيَّ يا أمير المؤمنين؟ فإنَّ الله يعلم وأهلَ خراسان أنَّني بريءٌ من أخي منذ عشرين سنة، ملازمٌ لمسجدي ومنزلي، فاتَّقِ اللهَ فيَّ وفي هذا الرجل، فقال له قرابتُه: قطع اللهُ لسانك، أنا واللهِ منذ كذا وكذا أسأل اللهَ الشهادة، فلما رُزقتُها على يد شرِّ خلقِه أخذتَ في الاعتذار، فاغتاظ هارونُ وأمر بتفصيلهما، ففُصِّلا والرجلُ يقول: يا هارون، نحن قد رُزقنا الشَّهادة، وأنت بين يدي اللهِ في آخر مدَّة، وستعلم. قال: فواللهِ ما فرغ منهما حتى كأنَّه ذُبالةٌ طفئت.


(١) في الفرج بعد الشدة ٣/ ٣٥٨ فما بعد.