للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمسك الفضلُ عن قتله، ثم أَفاق هارونُ وقد شُغل بنفسه عن بكرٍ وغيرِه، وعاد الفضل إلى هارونَ ليخبرَه، وإذا بالصياح قد ارتفع، فكتب ابنُ المعتمر إلى الفضل يقول: لا تعجلوا بأمر؛ فإنَّ معي أشياءَ تحتاجون إلى علمها، وكان بكر محبوسًا عند حسينٍ الخادم، فاجتمع الفضلُ وحسينٌ به، فأَخبرهم بالكتب، وأخرجها من قوائم الصناديقِ وسلَّم إلى كلِّ واحد كتابه، وكان فيها كتابٌ إلى المأمون، وكتابٌ إلى صالح بنِ الرشيد، وكتابٌ إلى الفضل بنِ الربيع، وكتابٌ إلى حسين الخادم، وغيرِهم.

فأمَّا كتاب المأمون، ففيه: من محمد بن هارونَ إلى أخيه عبدِ الله المأمون، سلامٌ عليك، أمَّا بعد؛ فإذا ورد عليك كتابُ أخيك -أعاذه اللهُ من فقدك عند حلولِ ما لا مردَّ له ولا مدفع، مما نُعِيَتْ عليه الأممُ (١) الماضيةُ والقرونُ الخالية- فعزِّ نفسك بما عزَّاك الله به، واعلم أنَّ الله قد اختار لأمير المؤمنين أفضلَ الدَّارين، وأجزلَ الحَظَّين، فقبضه اللهُ طاهرًا زكيًّا، قد شكر سعيَه وغفر ذنبَهُ إن شاء الله، فقم في أمرك قيامَ ذي العزمِ والحزم، والناظرِ لأخيه وسلطانهِ ونفسه وعامَّة المسلمين، وإيَّاك أن يغلبَكَ الجزع؛ فإنَّه يُحبط الأجر، ويُعقِب الوزر، وصلواتُ الله على أمير المؤمنين حيّا وميِّتًا، وإنَا إليه راجعون، فخذ البيعةَ على مَن قِبَلك من القوَّاد والجندِ والخاصَّة والعامَّة، لأخيك ثم لنفسك ثم للقاسم ابنِ أمير المؤمنين، على الشَّرائط التي جعلها لك (٢) أميرُ المؤمنين، فإنك مقلَّد من ذلك ما قلَّدك الله وأميرُ المؤمنين، ومَن أنكرتَ طاعتَه واتَّهمته، فابعث إليَّ برأسه، واكتب بذلك إلى عمَّالك وولاةِ ثغورك.

وذكر كلامًا طويلًا في معناه، وذكر في آخره: فإنَّ أخاك يعرف حُسنَ اختيارك، وصحَّة رأيك، ودقَّةَ نظرك، وهو يسأل اللهَ أن يشدَّ بك عَضُدَه، ويجمعَ بك أمرَه إن شاءَ الله.

وكتب إلى صالح: إذا ورد عليك كتابي هذا عند وقوعِ ما قد سبق من علم الله، ونفذ من قضائه في خَلقه (٣) وأوليائه، وجَرَت به السُّنَّة في الأنبياءِ والمرسلين والملائكةِ


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٦٧: مما قد أخلف وتناسخ في الأمم …
(٢) في (خ): جعلها الله لك. وهو خطأ.
(٣) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٦٨: خلفائه.