للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقربين فقال: ﴿كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨].

فاحمد اللهَ على ما صار إليه أميرُ المؤمنين من عظيم ثوابِه ومرافقةِ أنبيائه، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فشمِّر في أمرك، وإيَّاك أن تلقيَ بيديك؛ فإنَّ أخاك قد اختارك لما استنهضك له، فحقِّق ظنَّه فيك، وخذ البيعةَ على مَن قِبَلك من ولد أميرِ المؤمنين وأهلِ بيته ومواليه وخواصِّه وعامَّته لأخيك محمَّد بن أميرِ المؤمنين (١)، ثم لعبد الله بنِ أمير المؤمنين، ثم للقاسم بنِ أمير المؤمنين، على الشريطة التي جعلها أميرُ المؤمنين؛ فإنَّ السعادة واليُمنَ في الأخذ بعهده، والمضيِّ على منهاجه، واعلم أنَّ مَن قِبَلك من الخاصَّة والعامَّة قد رأى (٢) في استصلاحهم، ورد مظالِمهم، وإدرار رزقهم، واضممْ إلى الفضل بنِ الربيع ولدَ أميرِ المؤمنين وخدمَه وأهله، ومُرْه بالمسير معهم، وصيِّر إلى عبد اللهِ بن مالكٍ أمرَ العسكر؛ فإنَّه ثقة على ما يلي، مقبولٌ عند العامَّة والخاصة، وأقِرَّ حاتم بنَ هرثمةَ على ما هو عليه، وتوجَّه إليَّ بما في العسكر من الأموال والأثاثِ وغيره.

وذكر كلامًا بمعناه، وكتب إلى الفضل بنِ الربيع وحُسينٍ الخادمِ بمثل ذلك.

وكان المأمونُ قد خرج من مروَ إلى قصر خالدِ بن حمَّادٍ على فرسخٍ من مروَ يريد سَمَرْقَند، فقدم عليه إسحاقُ الخادم بنَعْي الرشيد، فرجع إلى مرو، ودخل دارَ الإِمارة دارَ أبي مسلم، وصعد المنبر، ونعى الرشيدَ وشقَّ ثوبَه وبكى، وعزَّى نفسه والناسَ واسترجع، وبايع لمحمَّد ولنفسه، وأعطى الجندَ رزقَ سنة.

وأما الفضلُ ومَن كان في عسكر الرشيد، فإنَّهم لمَّا قرؤوا كتبَ الأمين تشاوروا في اللَّحاق بالمأمون أو بمحمَّد، فقال الفضلُ بن الربيع: لا أدع ملكًا حاضرًا لآخَرَ لا ندري ما يكون منه. وأمر الناس بالرَّحيل إلى بغداد، وأَنفق فيهم الأموال، وكانوا قد اشتاقوا إلى أهليهم ببغدادَ ومنازلِهم، فساروا، ونسوا العهودَ التي كانت أُخذت عليهم،


(١) في تاريخ الطبري: محمد أمير المؤمنين.
(٢) كذا في (خ)، وليس في (ب) لاختصار شديد، وفي تاريخ الطبري ٨/ ٣٦٨، والمنتظم ٩/ ٢٢٢: وأعلم مَن قبلك من الخاصة والعامة رأيي.