للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فطرب وقال: أيُّكم يُجيزه بمثله وله عشرةُ آلاف درهم؟ فما أَجازه أحد، وكان على رأسه خادمٌ واقف، فدخل على عنانَ فأخبرها، فقالت في الحال:

هيَّجتَ بالقول الذي قد قلتَه … داءً بقلبي لا يزال دَفينا

قد أَينَعَتْ ثَمرَاتُه وتضاعفَتْ … وسُقينَ من ماء الهوى فرَوينا

كذَبَ الذين تقوَّلوا يا سيِّدي … إنَّ القلوبَ إذا هَوينَ هوينا

فقال: قد أجازه شخص، وأَنشده الأبيات، فقال: وَيحَك لمن هذا؟ قال: لعِنان، فبعث فاشتراها في الحال بمئة ألفِ درهم (١).

وكان الرشيدُ قد هجر عنان، فكتبت إليه تقول: [من الخفيف]

كُنْتُ في ظلِّ نعمةٍ بهواكا … آمِنًا منك ما أخاف جَفاكا

فسعى بيننا الوُشاةُ فأقْرَرْ … تَ عيون الوشاةِ بي فهَناكا

ولَعَمري بغير ما كان أولى … بك في الحقِّ ما جُعلتُ فداكا

فرضي عنها.

ومن شِعر الرشيد: [من السريع]

ملكتُ مَن أصبح لي مالكًا … لكنَّه في مُلْكه ظالمُ

لو شئت لاجتاحَتْه (٢) لي قُدرةٌ … لكن حكمَ الحبِّ لي لازم

أحببتُه من بين هذا الورى … وهو بحبِّي عارفٌ عالم

ودخل أبو العَتاهِية على الرشيد، فقال له: يا أبا العتاهية، أنشِدني، فأنشده: [من البسيط]

لا تأمَنِ الموتَ في طرفٍ وفي نَفَسِ … ولو تستَّرتَ (٣) بالحجَّاب والحَرَسِ

واعلمْ بأنَّ سهام الموت قاصِدَةٌ … لكلِّ مُدَّرع منَّا ومُتَّرِس

ترجو النجاةَ ولم تَسْلُكْ مسالكَها … إنَّ السفينة لا تجري على اليَبَس


(١) في العقد الفريد ٦/ ٥٨: فاشتراها منه بثلاثين ألفًا.
(٢) الديارات للشابشتي ص ٢٢٦: لاستاقته. وهي أنسب في المعنى.
(٣) في الديوان ص ١٩٤: تمنعت.