للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه، فتقطَّع ومات.

وقال الأصمعي: كان حارَّ المِزاج، وكان يُكثر الحركةَ في الصيف، ويُكثر من الجِماع، فنحَل جسمُه وتَلِفَ.

وقال ابن بَخْتِيشوع: كنت مع الرشيد بالرقَّة، وكنت أوَّل مَن يدخل عليه في كلِّ غَداة، فأتعرَّف حاله في ليلته، فإن كان أنكر شيئًا وَصَفَه، ويحدِّثني بحديث جواريه وما كان في ليلته، فدخلتُ عليه ذات يوم فسلَّمت عليه، فلم يكد يرفع طرفَه، ورأيته عابسًا مفكِّرًا مَهمومًا، فوقفت بين يديه مليًّا من النَّهار وهو على تلك الحال، فلمَّا طال عليَّ [أقدمتُ عليه و] (١) قلت: يا سيِّدي، جعلني اللهُ فداك، أَخبرْني بحالك، فإن كانت علَّةً فلعل يكون عندي دواؤها، أو من حادثٍ في بعض مَن تُحبّ، فذلك لا مَدْفَعَ له إلا بالرِّضا والتَّسليم، وإن كان من فَتْقٍ وَرَد عليك في مُلكك، فلم تَخْلُ الملوكُ من هذا، فقال: وَيْحك يا جبريل، ليس غمِّي من شيء مما ذكرت، ولكن لرؤيا رأيتُها في ليلتي قد أفزعَتْني، وملأَتْ صدري رُعْبًا، وأَقرَحَتْ قلبي، قلت: أَوكلُّ هذا الفكرِ لرؤيا لعلها من بخاراتٍ رديئة أو من تهاويل السَّوداء، وإنَّما هي أضغاثُ أحلام، قال: رأيت كأنِّي جالسٌ على سريري هذا في بستان، إذ بدت من تحتي ذراعٌ وكفٌّ أعرِفُهما، إلَّا أنِّي لا أفهم اسمَ صاحبهما، وفي الكفِّ تربةٌ حمراء، وقائلٌ أسمع صوته ولا أرى شخصَه يقول: هذه التُّربة التي تُدفن فيها، قلت: وأين هي؟ فقال: بطُوْس، وغابت اليدُ وانقطع الكلامُ وانتبهت. قال: فقلت له: لعلك بتَّ مفكِّرًا في خراسانَ وحروبِها وانتقاضِ أمرها، فولَّد لك الخَلْطُ هذه الرؤيا. وما زلت أُسَكِّنه وأُسَلِّيه حتَّى سكن وانبسط، ومرَّت الأيام ونسي ونسينا [وما خطرت تلك الرؤيا لأحدٍ منا على بال].

ثم قُدِّر خروجُه إلى خراسانَ لمَّا تحرَّك رافع، فلمَّا صِرنا في بعض الطريق، ابتدأت به العلَّة، فلم تزل تتزايد حتَّى دخلنا طوس، فنزل في منزلٍ لحميد بن عبد الحميد (٢) في ضيعةٍ له تعرف بسَنَاباذ، فبينا هو يُمَرَّض في بستانٍ في ذلك القصر، إذ ذكر تلك الرؤيا، فوثب متحاملًا يقوم ويسقط، فقلت: يا سيِّدي مالك؟ قال: يا جبريل، تذكر رؤياي


(١) ما بين حاصرتين من (ب) وتاريخ الطبري ٨/ ٣٤٣.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٤٣ - ٣٤٤: الجنيد بن عبد الرحمن.