للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالرقَّة؟ ثم رفع رأسه إلى مَسرورٍ وقال: جئني من تُربة هذا البستان، فمضى [مسرورٌ] وأتى بالتُّربة في كفِّه حاسرًا عن ذراعه، فلمَّا نظر إليه قال: هذه واللهِ الذراعُ التي رأيتها في منامي، وهذه الكفُّ بعينها، وهذه التُّربة الحمراء، ما خَرَمَت شيئًا، ثم أقبل على البكاء والنَّحيب، ثم مات واللهِ بعد ثلاثةٍ ودُفن في ذلك البستان.

[وروي أنَّه رأى في المنام امرأةً وقفت عليه، وأخذت كفًّا من ترابٍ وقالت: هذه تربتُك عن قليل، فأصبح فَزِعًا، فقصَّ رؤياه على أصحابه، فهوَّنوا عليه. فبينما هو يسير يومًا، إذ نظر إلى امرأةٍ قائمة تنظر إليه، فقال: هذه واللهِ المرأةُ التي رأيت، ولو رأيتها من بين ألف امرأةٍ ما خَفِيَتْ علي، ثم أمرها أن تأخذَ كفًّا من تراب فتُناولَه (١)، فضربت بيدها الأرضَ وناولته، فقال: هذه واللهِ التربةُ التي رأيتها، وهذه المرأةُ بعينها. ومات هناك].

وقيل: إنَّ جبريلَ بن بختيشوع غلط عليه [في عِلَّته] في علاجٍ كان سبب منيَّته، فهمَّ الرشيد أن يفصِّلَه كما فصَّل أخا رافع، فقال له جبريل: يا أميرَ المؤمنين، أَنظرني إلى غد؛ فإنَّك ستصبح في عافية، وسقاه دواءً في الليل، فمات من ليلته [وخلص منه جبريل.

وقال الصُّولي: حدَّثني الحسين بنُ يحيى، قال. سمعت هبةَ الله بنِ إبراهيمَ بن المهدي يحدِّث عن أبيه قال:] (٢) أحبَّ الرشيد أن يعلمَ حقيقةَ علَّته، وعلم أنَّ [ابن] بختيشوع يكتمه، فواطأَ إنسانًا من أهل طوس، وسأله أن يلاطفَ ابنَ بختيشوع، ففعل، ثم أعطى الرجلَ ماءه وقال: اذهب به إلى ابن بختيشوعَ وقل له: هذا ماءُ مريضٍ عندي، فلما رآه، قال [ابن بختيشوع] لبعض من معه: كأنه واللهِ ماءُ الرجل، ففطن الذي جاء بالماء (٣)، وقال لابن يختيشوع: اتَّقِ الله، فإنَّ بيني وبين هذا الرجلِ معاملات، فإن كان يعيش لم أستقصِ عليه، وإن كان يموت فرغت ممَّا بيني وبينه، فقال: تريد أن أَصدُقَك؟ قال: نعم، قال: صاحب هذا الماءِ لا يعيش إلا أيامًا. فرجع الرسولُ فأخبر هارون، وعلم ابن بختيشوع بالأمر بعد ذلك، فاختفى إلى أن مات الرَّشيد.


(١) في (ب): فأخذت كفًّا من تراب فناولته إياه. والمثبت من المنتظم ٩/ ٢٣٠.
(٢) في (خ): وقال إبراهيم بن المهدي. وانظر المنتظم ٩/ ٢٣١.
(٣) في البداية والنهاية ١٤/ ٤٦: هذا مثل ماء ذلك الرجل، ففهم صاحب القارورة من عنى به.