للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جِلدِ حِمارٍ غَيرِ مُذكَّى.

وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] أنه أُدنيَ حتى سمع صرير الأقلام في اللوح المحفوظ.

وقال الحسن البصري: ولما كلم الله موسى ضرب على قلبه صفائح النور، ولولا ذلك لما أطاق سماع كلام الله تعالى.

رجع الحديث إلى وهب: قال: فقال الله تعالى: ادن مني، فجمع موسى يديه في العصا، ثم تحامل حتى استقلَّ قائمًا، وأرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه، ولم يبق منه عظم يحمل آخر، فهو بمنزلة الميت، إلَّا أنَّ روح الحياة يجري فيه، ثم زحف على ذلك وهو مرعوب، حتى وقف بمنزلةٍ قريبًا من الشجرة، فقال له الربُّ تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ [طه: ١٧ - ١٨] أي: أعتمد إذا عييت. قال: وما تصنع بها؟ قال: ﴿أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٨] قال مجاهد: ومعنى أتوكأ عليها: أي أعتمد إذا عييت من المشي، وأهش: أخبط بها الشجر ليتناثر الورق فتأكل منه الغنم. وقرأ عكرمة: أهس، بالسين المهملة، أي: أزجو بها الغنم، وهما لغتان، والمآرب: الحاجات.

وقال ابن عباس: كان له فيها ألف حاجة، منها أنه كان يحمل عليها زاده وسقاءه، وإذا خاف حدَّثته وآنسته، وإذا جاع أو عطش ضرب بها الأرض فيظهر الطعام والشراب، ويحارب العدوَّ، ويدفع عنه الوحوشَ والهوام، وإذا اشتهى ثمرةً غرزها في الأرض فصارت غصنًا وأورقت وأثمرت، إلى غير ذلك.

وروى مجاهد أنها كانت من لوز، والصحيح أنها كانت من آس الجنة (١).

فإن قيل: فقد علم الله تعالى حال العصا فلمَ كان أول كلامه له: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾؟ فالجواب: إن هذا على وجه المباسطة له، لأنه لمَّا رأى النار، وسمع تسبيح الملائكة، وشاهد ما حكيناه، خاف وصار كل عضو منه على حدة، فباسطه الله


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ١٧٨ - ١٧٩.