للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتقوَّى على مخالفتك؟ قال: لا، قال: فانظر ماذا ترى، فقال: يا فضل، اُكتب إليه: وَرَدَ كتابُ أمير المؤمنين يسألني التجافيَ عن مواضعَ سمَّاها الرشيدُ في عَقده وعَهده، وجعل أمرَها إليّ، ولو لم يكن ذلك مبيَّنًا في عهوده، وأنا على الحال التي أنا عليها من مجاورة الأعداءِ، وجندٍ لا يطيعون إلَّا بالمال؛ لقد كان يجب على أمير المؤمنين أن يقسمَ لي حظًّا من عنايته، ويقطعَ لي طَرفًا من ماله، وإنِّي أعلم أنَّ أمير المؤمنين لو علم ما أنا فيه [لما] (١) كتب إليَّ بما كتب، والسلام. وذكر كلامًا بمعناه.

ثم إنَّ المأمون احترز على الطُّرق، وأقام الطَّلائع والبُرُد، وبثَّ الحَرسَ في الأماكن بحيث لا يصل إلى أحدٍ من خراسانَ كتابٌ ولا جواب، فأمن ناحيتَهم، وحَصَرهم من أن يُستمالوا برغبةٍ أو رهبة، وبعث محمَّد جماعةً ليناظروا المأمونَ في منعه ما كان سأله، فلما وصلوا إلى الريِّ وجدوا الحرسَ والطلائع، ومُنعوا من المسير إلى مَرْو، وكتب عاملُ الرَّي إلى المأمون يخبره بهم، فجاء كتابٌ بحملهم إليه، فحُملوا وقد أُحيط بهم واحتُرز عليهم، فلا يصل إليهم خبرٌ ولا يخرج من عندهم خبر، وكان في نيَّتهم بَذْلُ الأموال والولايات للفارقين، فوجدوا ذلك ممنوعًا، فحُملوا إلى المأمون ومعهم كتابُ الأمين، وفيه:

أما بعد، فإنَّ الرشيد وإن كان أَفردك بما ضمَّ إليك من كُور الجبال (٢) تأييدًا لأمرك، فإنَّ ذلك لا يوجب لك فَضْلةَ المالِ عن كفايتك، وقد ضمَّ إليك كورًا لا حاجةَ لك إليها، والواجب أن تكونَ مردودةً فَي أهلها.

فكتب إليه المأمون: لا تبعثني يا ابنَ أبي على مُخالفتك وقطيعتِك، وأنا مُذْعِنٌ بطاعتك، وعلى ما كُنْتُ من صِلَتك، وارضَ بما حكم به الحقُّ في أمرك، أكُن في المكان الَّذي أنزلني الحقُّ فيما بيني وبينك، والسلام.

ثم قال للرسل: أَبلِغوه أنِّي لا أزال على طاعته، إلَّا أن يضطرَّني بترك الحقِّ الواجب إلى مخالفته. فذهبوا يقولون، فقال: أَحسنوا تأديةَ ما سمعتم، ففي مكاتبتي إليه كفاية،


(١) زيادة يقتضيها المعنى، وانظر تاريخ الطبري.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٨٠: الجبل.