للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرجعوا خائبين ما أمَّلوه، ولقُوا جدًّا غيرَ مَشُوبٍ بهَزل.

وقيل: إنَّ المأمون قال لذي الرياستين: إنَّ ولدي وأهلي ومالي بحضرة محمَّد، وكان [مئة] (١) ألفِ ألفِ درهم (٢)، وأنا مُحْتاجٌ إلى ذلك، فما ترى؟ فقال: إنْ أنت كتبت إليه فمنعك، صار إلى خلع عهدِه، فاضطرَّك إلى محاربته، وإنِّي أكره لك أن تكون المُفْتَتِحَ بابَ الفُرقة، ولكن اكتب إليه بتوجيه أهلِك، ومطالبته بحقِّك على وجهٍ لا يتطرَّق إليه المَنْع، فإنْ أجاب فهو العافية، وإن أبي لم يكُنْ سببًا للحرب. فقال: اكتب إليه، فكتب:

أمَّا بعد، فإنَّ نظرَ أمير المؤمنين للعامَّة نظرُ مَن لا يقتصر على إعطاءِ النَّصفة من نفسه حتَّى يتجاوزَها إليهم ببرِّه وصِلَته، وإن كان ذلك رأيه في عامته، فأَحرى أن يكونَ في خاصَّيتِه، وقد علم أميرُ المؤمنين ما أنا عليه من ثغور حَللت بين لَهَواتها، وعساكرَ لا تزال مُوقنةً بنَشْر غَيِّها، وبنكْث آرائها، وقلَّةِ الخراج قِبَلي، والأهل والولد والمال قِبَل أمير المؤمنين، والأهل وإن كانوا في كفاية من برِّه وهو لهم كالوالد، غير أنِّي محتاجٌ إلى وصولهم إليَّ؛ لأؤدِّيَ حقَّ الله فيهم، ورأيُ أمير المؤمنين مستخرجٌ في المساعدة على حَمل ذلك إليَّ على يد فلان -رجل سمَّاه- غيرُ مُحرجٍ له إلى ضيقٍ يقع بمخالفته، أو حاملٍ برأي (٣) يكون على غير موافقته، والسلام.

وكان للمأمون بالرقَّة مئةُ ألف دينار، وأهلُه وولده وعياله بالرقَّة، فكتب إليه محمَّد: أما بعد، فقد بلغني كتابُك يذكر كذا وكذا، فأمَّا المال، فالأَولى ردُّه في مواضعِ حقِّه، فإنَّ الواجبَ على أمير المؤمنين أن يَستظهرَ لدينه، وهذا مال المسلمين، وأما الأهلُ والولد، فأسيِّرهم إليك مع الثِّقة من رُسُلي. وذكر كلامًا حاصلُه أنه ما أجابه إلى شيءٍ من ذلك.

ولمَّا قرأ المأمون كتابَه قال: لَأَظَ (٤) دون حقِّنا، فقال له الفضل: الرأي التمسُّك


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٣٨١.
(٢) لفظة: درهم، ليست في تاريخ الطبري.
(٣) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٨٢: حامل له على رأي.
(٤) اللَّأْظُ كالمَنْع، أي: مَنعَنا حقَّنا. تاج العروس: (لأظ).