للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم تكن تَعرفُ باب الدَّ … ارِ من خَوفِ الشَّقيق

أُخرِجَتْ من قَعْر خِدرَيـ … ـها (١) ومن عَيشٍ أنيق

لم تجد من ذاك بُدًّا … أُحْرِجَت (٢) يومَ الحَريق

واشتدَّت شوكة طاهرٍ على محمَّد، وتفرَّقت عنه عساكره وقوَّاده، واستولى الخرابُ والهدم والحريقُ على بغداد، ودَرَست مَحاسنُها، وكان الناسُ يبكون عليها، وأصبح ما حولَها بَلابلَ وخرابًا، وأكثر الشعراءُ فيما أصابها [فقال عَمرو بن عبد الملكِ هذه الأبيات: [من البسيط]

مَن ذا أصابَكِ يا بَغدادُ بالعَيْن … ألم تكوني زَمانًا قُرَّةَ العَينِ

ألم يكن فيكِ أقوامٌ لهم شَرَفٌ … بالصَّالحات وبالمَعروف يَلْقَوني

ألم يكن فيكِ قومٌ كان مَسْكَنُهمْ … وكان قُربُهمْ زَينًا من الزَّين

صاح الزَّمانُ (٣) بهمْ بالبَين فافترقوا … ماذا لَقِينا به من لَوْعَة البَين

أستودِعُ اللهَ قومًا ما ذكرتُهمُ … إلَّا تَحَدَّر ماءُ العَين من عَيني

كانوا ففرَّقهمْ دَهْرٌ وصَدَّعهمْ … والدَّهرُ يَصدَعُ ما بين الفريقَين

يا مَن يُخرِّب بغدادًا ليَعمُرَها … أهلكت نفسَك ما بين الطَّريقَين

لمَّا أتيتَهمُ فرَّقتهمْ فِرَقًا … والناس طُرًّا جميعًا بين قَلْبَين

ورثاها جماعةٌ من الشعراء]. (٤)

ولمَّا ضايق طاهرٌ بغداد، أرسل إلى أهل الأرْباضِ من باب الأنبارِ وباب الكوفةِ وغيرِها، فمَن أجابه أحسن إليه، ومن خالفه أحرق منزلَه، وسمَّى طاهر الأرباضَ التي خالفه أهلُها ومدينةَ أبي جعفرٍ والكَرْخَ وما حولها والمدينةَ الشَّرقية دارَ النّكث، وقبض ضياعَ بني هاشمٍ وغلَّاتهم، وأموال الذين في مدينة المنصور، فذَلُّوا وخَضَعوا، وتقاعدوا عن القتال، فانتدب الشُّطَّار وأهلُ السجون والأوباشُ والرَّعاع لقتال طاهرٍ


(١) في تاريخ الطبري: أخرجت من جوف دنياها.
(٢) في تاريخ الطبري: أبرزت.
(٣) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٤٧، والبداية والنهاية ١٤/ ٩٥: الغراب.
(٤) ما بين معكوفين من (ب)، وبعدها: فصل وحج بالناس، واختصرت فيها الأحداث الآتية.