للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنة وخرج وليس معه شيء، فقال الله تعالى: فأين ما ذكرت لك؟ قال: يا إلهي ما وجدت قلنسوةً أعظم من الهيبة، ولا مركبًا أعظم من التوفيق، ولا سيفًا أقطع من الحجة، ولا جندًا أبلغ من النصرة، ولا لباسًا أتمَّ من العافية، فقال الله تعالى: أعطه ذلك كله، فأعطاه إياه.

وقال مجاهد: لما وصل موسى إلى مصر طرق والدته ليلًا، فنزل عليها وهي لا تعرفه ولا يعرفها، وجاء هارون في بعض الليل، فرآه فسأل أمّه عنه، قالت: ضيف، فجلس إليه وتحادثا ساعة، فقال له: ما اسمك؟ قال: موسى، قال: وأنت؟ قال: هارون، فقاما وتعانقا وبكيا، وبكت العجوز، فقال له موسى: إن الله قد أرسلني إلى فرعون وأنت معي، فقال هارون: سمعًا وطاعة، ثم قاما ومضيا إلى فرعون، إلى مدينة مَنْف (١).

رجع الحديث إلى وهب، قال: فأقبل موسى وهارون إلى فرعون في مدينة، قد جعل حولها الأُسد، في غيضة قد غرسها، والأُسد فيها مع سُوَّاسها، إذا آسَدَتْها على أحد أكلته. وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة، فأقبل موسى من الطريق الأعظم الذي يراه منه فرعون من مناظرة، فلما رأته الأُسد صاحت صياح الثعالب، فأنكر ذلك سُوَّاسها، وخافوا من فرعون، وأقبل موسى حتى انتهى إلى باب قبة فرعون، فقرعه بعصاه، وعليه جبة صوف وسراويل صوف، فلما رآه البواب عجب من جرأته، وقال: أتدري بابَ من تضرب؟ إنما تضرب بابَ سيدك، فقال: أنا وأنت وفرعون عبيد الله تعالى، فأخبر البواب الذي يليه حتى بلغ أدناهم، وكانوا سبعين حاجبًا، كل حاجب تحت يده من الجنود ما شاء الله، حتى خلص الخبر إلى فرعون، فقال: أدخلوه عليَّ، فأدخلوه، فقال فرعون: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ [الشعراء: ١٨] فقال له: يا فرعون آمنْ بربِّ العالمين، فقال: خذوه، فبادرهم موسى ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الشعراء: ٣٢] فحملت على الناس فانهزموا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا - هذا لم يصحّ - قَتَلَ بعضهم بعضًا، وأدخل الثعبان أحد شدقيه تحت سرير فرعون والآخر فوقه فسلح فرعون في ثيابه، وقام فرعون منهزمًا فدخل البيت، فقال لموسى:


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ١٨٤.