للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما اشتدَّ الحصار على محمد، فارقه سليمانُ بن أبي جعفر وإبراهيم بنُ المهديّ ومحمَّد بنُ عيسى بن نَهيك، ولحقوا بعسكر المأمون، ولمَّا عزم محمَّد على الخروج إلى هَرْثَمَةَ، وأجابه هَرْثَمَةُ إلى ما أراد، اشتدَّ ذلك على طاهر، وأبي أن ينامَ عنه ويدعَه يخرج إلى هَرْثَمَة، وقال: هو في جِيرتي وجانبي، ولا أرضى أن يخرجَ إلى هَرْثَمَةَ فيكونَ الاسمُ والفتح له.

ولما رأى هَرْثَمَةُ ذلك، اجتمع هو والقوَّاد في منزل خُزَيمةَ بن خازم، وجاء طاهرٌ، وسليمان بنُ أبي جعفرٍ، والسنديُّ بن شاهكَ، ومحمَّد بنُ عيسى بنِ نهيك، وأداروا الرَّأيَ بينهم، وقالوا لطاهر: إنَّه لا يخرج إليك أبدًا، فدعْه يخرج بنفسه إلى هَرْثَمَةَ إذا كان يأنس به ويثق بناحيته، وهو مُسْتَوحشٌ منك، ويدفع إليك الخاتمَ والبُردة والقضيب، فهو عبارةٌ عن الخلافة، ولا تُفسد هذا الأمر، واغتنمه إذ يسَّره الله.

فأجاب طاهرٌ إلى ذلك ورضي به، ثم كتب الهِرْشُ إلى طاهرٍ يُخبره أنَّ الذي جرى بينهم مَكْر، وأنَّ البردة والقضيبَ والخاتَم تخرج مع محمد إلى هَرْثَمَة، فقبل ذلك طاهر، وكَمَنَ حول قصرِ أمِّ جعفرٍ والخُلدِ ومعه أصحابُه بالسلاح، وذلك ليلةَ الأحد لخمسٍ بقين من المحرَّم في خمسٍ وعشرين من أيلول.

ولما اشتدَّ الأمرُ بمحمَّد، كتب إلى طاهرٍ يقول: إنَّ الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلى كشف السُّتورِ وهَتْك الحَريم، ولست آمَنُ أن يطمعَ في هذا الأمرِ البعيدُ السَّحيق، فإن رأيتَ أن تؤمنِّي لأخرجَ إلى أخي، فإن تفضَّل عليَّ فهو أهل لذلك، وإن قتلني فصَمْصَامة كسَرتْ صَمصامة، ولَأن تفتَرِسَني السِّباعُ أحبُّ إلى من أن يَنْبَحَني الكلاب.

وبعث به مع خادم، فقال طاهر للخادم: الآن حين أَسلمه فُسَّاقه، وخذله سُرَّاقه، وبقي مَخْذولًا مَغْلولًا يَلوذ بالأمان، لا والله أو يجعلَ في عُنقه ساجورًا (١) ويقول: قد نزلت على حكمك. فلما بلَّغ الخادمُ محمَّدًا ما قاله: قال: كذب عبدُ السُّوء العاضُّ لَهازِمَه (٢)، واللهِ ما أبالي أَوَقَعَ عليَّ الموتُ أو وقعتُ عليه، ما شاء الله كان.


(١) الساجور: خشبة تجعل في عنق الكلب. مختار الصحاح (سجر).
(٢) في (خ): لهزامه، ولعل الصواب ما أثبته، واللهازم: جمع لِهْزِمة: وهو الناتئ تحت الأذن. القاموس المحيط (لهزم).