للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة المئتان]

فيها في أوَّل يوم من المحرَّم من السنة لمَّا انصرف الحاجُّ من مكة، أتى حسينُ بن حسنٍ الأفطس إلى الكعبة، فجرَّدها مما عليها من الكسوة، فلم يُبقِ عليها شيئًا، وكساها ثوبَين رقيقين من قَزّ، كان أبو السرايا بعث بهما إليه، وعليهما مكتوب: هذا ممَّا أمر به الأصفرُ بن الأصفر أبو السرايا داعيةُ آلِ محمَّد لكسوة بيت اللهِ الحرام، وأن يُطرحَ عنه كسوة الظَّلَمة من ولد العباس؛ ليُطَهِّرَه من كسوتهم، وكتب في سنة تسعٍ وتسعين ومئة.

ثم أمر حسينُ بن حسن بالكسوة التي كانت على الكعبة فقُسمت بين أصحابه من العلويِّين وغيرِهم على قدر منازلهم عنده، وأخذ ما كان في خزانة الكعبة من المال، ولم يسمع بأحدٍ عنده وديعةٌ لأحد من ولد العباس وأتباعِهم إلَّا هجم عليه داره، فإنْ وجد عنده شيئًا أخذه وعاقب الرجل، وإنْ لم يجد عنده شيئًا، حبسه وعذَّبه حتى يفتديَ نفسَه على قَدْر حاله، ويشهد عليه أنَّ ما أخذه كان وَديعةً عنده لبعض بني العباس. وكان المتولِّي لعذاب الناس محمَّد بن مَسْلَمةَ الكوفي، كان ينزل في دارٍ خالصة عند الخيَّاطين (١)، ويقال لها: دارُ العذاب.

وعمَّ البلاءُ أهل مكة، فهرب منهم خلقٌ كثير لهم مال، فكان يهدم دورَهم، ويتعدَّى إلى حريم الناسِ وأبنائهم، وكانوا يحكُّون الذهبَ المنقوش في رؤوس أساطين المسجدِ الحرام، فيخرج من رأس الأسطوانة بعد التعبِ الشديد [مثقالُ] (٢) ذهبٍ أو نحوه، وقلعوا الحديدَ الذي على شبابيك كُوى المسجدِ الحرام، وقلعوا شباكَ زمزم، وكان من خشب السَّاج، فبيع بأخسِّ ثمن.

وتغيَّر الناس على حسين بنِ حسن والطالبيِّين، وبينا هم على ذلك إذ وصل الخبرُ من الكوفة بأنَّ أبا السرايا قد انحلَّ أمره، وطُرد عن الكوفة والبصرةِ والعراق، وعاد الأمرُ


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٥٣٧: الحناطين.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).