للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيها الناس: مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا محمَّد بن جعفرِ بن محمَّد بن عليِّ بن حسين بن عليِّ بن أبي طالب، وإنَّه كان لأمير المؤمنين عبدِ الله المأمونِ في رقبتي بيعة، وكنت أحدَ الشهودِ الذين شهدوا في الكعبة الشَّرْطَين لهارونَ على ابنيه محمَّد وعبد الله، ألا وقد كانت فتنةٌ (١) غَشِيت الأرضَ منَّا ومن غيرنا، وكان قد نُمي إلينا أنَّ المأمون توفِّي، فدعاني الناسُ إلى أن يبايعوني بإمرة المؤمنين، فأجبتُهم إلى ذلك، وقد صحَّ عندي الآن أنَّه حيّ، وأنا أستغفر الله مما دعوتكم إليه من البَيعة، وقد خلعتُ نفسي كما خلعت خاتَمي هذا من إِصبعي، ولا بيعةَ لي في رقابكم.

ثم نزل، فخرج به عيسى بنُ يزيدَ الجُلوديُّ عامل مكةَ إلى العراق، واستخلف على مكةَ ابنَه محمَّد بنَ عيسى، فسلَّمه عيسى إلى الحسن بنِ سهل، فبعث به الحسنُ إلى المأمون مع رجاءَ بن أبي الضحَّاك، فقدم به خُراسانَ سنة إحدى ومئتين.

وفيها خرج إبراهيمُ بن موسى بنِ جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ باليمن، وكان بمكَّة حين خرج أبو السرايا بالكوفة، فلما قُتل [أبو] السرايا وانحلَّ نظام الطالبيين بالعراق، خرج إبراهيمُ من مكةَ بأهل بيتِه يريد اليمن، ووالي اليمن يومئذٍ إسحاقُ بن موسى بنِ عيسى، فلما سمع بإقبال إبراهيمَ إلى قريبٍ من صَنْعاء، خرج من اليمن مُنْصرفًا في خيله ورَجله، فسلك النَّجْدِيَّة، وخلَّى اليمنَ لإبراهيم، وكره قتاله، ونزل المُشاش، وأراد دخولَ مكة، فمنعه مَن كان بها من العلويِّين، وكانت أمُّ إسحاق متواريةً بمكَّة، فتلطف بعض أهلِ مكَّة فأخرجها، وصعد بها على رؤوس الجبال، فأوصلها إلى إسحاق. وكان يقال لإبراهيم: الجزَّار؛ لكثرة مَن قتل باليمن من الناس وسبى وأخذ الأموال.

وحجَّ بالناس أبو إسحاقَ بنُ الرشيد ومعه جندٌ كثيف، فيهم حمدويه بن علي بنِ عيسى بن ماهان، وكان الحسنُ بن سهل قد ولَّاه اليمن. وبعث إبراهيمُ [بن موسى بنِ جعفر] (٢) العلويُّ من اليمن رجلًا من ولد عَقيل بنِ أبي طالب في جندٍ كثير، وأمره أن يقيمَ الحجَّ للناس، فلما صار العَقيليُّ إلى بستان بني عامر، بلغه أنَّ أبا إسحاقَ قد ولي الموسم، وأنَّ معه [من] القوَّاد والعساكر ما لا قِبَلَ لأحدٍ به، فأقام ببستان بني عامر،


(١) في (خ): فيه، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٥٤٠.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).