للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينه وبينه، فكتب إليه العتَّابي: إنَّ قريبَك من قرب منك خيرُه، وإنَّ عمَّك مَن عمَّك نفعُه، وإنَّ عشيرتَك مَن أحسن عِشرتك، وإنَّ أحبَّ الناسِ إليك أجداهم بالمنفعة عليك؛ ولذلك أقول (١): [من الكامل]

ولقد بلوتُ النَّاس ثم سَبَرْتُهمْ … وخبرتُ مَن وصلوا من الأسبابِ

فإذا القرابةُ لا تقرِّب قاطعًا … وإذا المودَّة أكبرُ الإنسابِ

ومن شِعره [السائر المشهور] (٢): [من البسيط]

إنَّ الكريم ليخفي عنك عُسرَتَهُ … حتَّى تراه غنيًّا وهو مجهودُ

وللبخيل على أمواله عِلَلٌ … زُرقُ العيونِ عليها أوجهٌ سودُ

إذا تكرَّهتَ أن تعطي القليلَ ولا … تكون ذا سعةٍ لم يَظهر الجُودُ

بُثَّ النَّوال ولا يمنعْك قلَّتُه … فكلُّ ما سدَّ فقرًا فهْو محمودُ

[وذكر الخطيبُ (٣) أنَّ] المأمون كتب (٤) في إِشْخَاص العتَّابي، فلَّما دخل عليه قال له: يَا كُلثوم، بلغني وفاتُك فساءني، ثم بلغتني زيارتُك فسرَّتني، فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، لو قُسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرضِ لَوسعتْهم فضلًا وإِنعامًا، وقد خَصَصْتَني منهما بما لا أستطيع له أُمنية، ولا يَنْبسط لسواه أَمَل، فإنَّه لا دينَ إلَّا بك، ولا دنيا إلَّا معك. فقال المأمون: سَلْني، فقال: يدُك بالعطاء أطلقُ من لساني بالمسألة. فوصله بصِلات سَنِيَّة، وبلغ به من التقديم والإكرامِ أعلى محلّ.

وقال العتَّابي: قدمت مرَّةً على أبي بحمارٍ موقَرٍ كتبًا، فقال: ما عليه؟ فقلت: كتب، فقال: ما ظننته إلَّا مالًا، فعدلت إلى يعقوبَ بنِ صالح، فدخلتُ عليه وأنشدته (٥): [من الخفيف]


= ٥١٦، والمنتظم ١٠/ ١٨٩، ووفيات الأعيان ٤/ ١٢٣.
(١) في (خ): يقولن. والمثبت من (ب)، وهو الموافق لما في تاريخ بغداد ١٤/ ٥١٦.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب). والأبيات في تاريخ بغداد ١٤/ ٥١٩، والوفيات ٤/ ١٢٤.
(٣) في تاريخه ١٤/ ٥١٨.
(٤) في (خ): وكتب المأمون …
(٥) المنتظم ١٠/ ١٩٠ - ١٩١، ومختصر تاريخ دمشق ٤/ ٣٢٧، والأبيات في ديوان دعبل ص ٣٧٦ - ٣٧٧، وعيون الأخبار ٣/ ١٣٣ منسوبة لبعض المحدثين، والعقد الفريد ١/ ٢٤٤ منسوبة للطائي.