للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشربه، ومدَّ يده بجامٍ فيه شرابٌ إلى الحسن بنِ سهل، فتَباطأَ عنه؛ لأنَّ الحسن لم يكن يشرب النبيذَ قبل ذلك، فغمز دينار [بن عبد الله] الحسنَ أن اشربه، فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، أَشربه بإذنك وأمرِك؟ فقال [المأمون] (١): لولا أمري لم أَمددْ يدي إليك، فأخذ الجامَ فشربه.

[قلت: لقد جنى الطبريُّ على المأمون جنايتَين إحداهما: شربُ النبيذ في رمضان، وهو أنَّه وإن كان مذهبَ أهل العراق، غيرَ أنَّه حرامٌ عند مالك والشافعي وأحمدَ ومحمدِ بن الحسن، وأنه مثلُ الخمر عند البعض، ولو كان مباحًا كان ينبغي أن ينزِّهَ رمضانَ عنه. والثاني: قولُه: إن المأمونَ شرب في جام ذهب، وهل يُستباح استعمال الذهبِ والفضة لأهل العامَّة؟! فكيف بالخليفة!

قال:] ولمَّا كانت الليلةُ الثالثة دخل المأمونُ بِبُوران، وكان عندها حمدونةُ وجدَّتها وأمُّ جعفر، فلمَّا جلس المأمونُ معها، نثرت عليها جدَّتُها ألفَ دُرَّة، وكانت في صِينية ذهب، فأمر المأمونُ أن تُجمع، وسألها عن عددها، فقالت: ألفُ حبَّة، فأمر بعدِّها، فنقصت عشرة، فقال: مَن أخذها؟ قالوا: حسينٌ الخادم، فأمر بردِّها، فقال الخادم: إنما نُثرت لنأخذَها، فقال: رُدَّها وعليَّ الخَلَف، فردَّها، فجمع المأمونُ الجميعَ ووضعه في حجرها وقال: هذه نِحلتُك وسلي حوائجَك، فقالت لها جدَّتها: كلِّمي سيِّدَك، فقد أمركِ أن تسأليه حوائجَك، فسألتْه الرِّضا عن إبراهيمَ بنِ المهدي، وسألته الإذنَ لزُبيدةَ في الحجّ، فأجابها إلى ذلك، وألبستها أمُّ جعفر البَدَنةَ (٢) اللؤلؤيةَ الأُموية، وبنى بها من ليلته، وأُوقِد في تلك الليلة شمعةُ عنبر، فيها أربعون مَنًّا في تورٍ (٣) من ذهب، فأنكر المأمونُ ذلك عليهم وقال: هذا سَرَف. فلمَّا كان من الغد دعا بإبراهيم [بن المهدي] (٤) فلمَّا دخل عليه رمى بنفسه، فصاح المأمون: يَا عمّ، لا بأسَ عليك. ودعا بالخِلَع والمراكب، فخلع عليه وقلَّده سيفًا، وخرج فسلَّم على النَّاس ورُدّ


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) الدرع القصيرة. القاموس المحيط (بدن).
(٣) المن: رطلان، والتور: إناء يشرب فيه. مختار الصحاح (منن، تور).
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).