للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا ومَن شرَّف الأنامَ (١) وأعلى … ما أطاعَ الإلَهَ عبدٌ عصاكا

من أبيات. فقلت: يَا أميرَ المُؤْمنين، ما رأيت امرأةً في مَسْك رجلٍ مثلَها، ثم سأَلتُ الأخرى، فوجدتُها دونها، فأَمر عاتكةَ القيِّمة على النساء أن تزيِّنَ الأولى وتحملهَا إليه في تلك الليلة.

ثم قال: حَدَّثني حديثًا أرتاح له، فقلت: يَا أميرَ المُؤْمنين، كان لي صاحبٌ بدور بني فلان (٢)، وكنت أغشاه وأتحدَّث إليه، وكان أصحَّ النَّاس ذِهنًا، وأجودَهم خاطرًا، وأقواهم نفسًا، وكان قد أتت عليه ستٌّ وتسعون سنة، فغبتُ عنه زمانًا ثم جئته، فإذا هو متغيِّر الحال، كاسفُ البال، فقلت: اعتراك المرض؟ قال: لا، قلت: فما الذي بك؟ قال: اجتزتُ بحيِّ بني فلان، فرأيت جارية كأنها غُصن بانٍ وفي عُنقها طَبْل، وهي تنشد: [من الوافر]

محاسنُها سِهامٌ للمنايا … مُرَيَّشةٌ بأنواع الخُطوبِ

يرى رَيبُ الزمانِ لهنَ سهمًا … تصيب بنَصْله مُهَجَ القلوب

قال: فقلت: [من الطَّويل]

دعي شَفَتي في موضع الطبلِ ترتقي … كما قد أبحتِ الطبلَ في جِيدكِ الحسنْ

هبينيَ عُودًا أجوفًا تحت شَنَّةٍ … تمتَّع فيما بين نَحرِك والذَّقَنْ

قال: فرمت الطبلَ من عُنقها ودخلت الخِباء فوقفتُ إلى أن حميت الشمسُ على رأسي، لا تخرج إليَّ ولا تُرجع جوابًا، فكنت معها كما قال الشَّاعر: [من الطَّويل]

فواللهِ يَا سلمى لطالت (٣) إِقامتي … على غير شيءٍ يَا سُليمى أُراقبهْ

فضحك الرشيدُ حتَّى استلقى، وقال: ويحك، وهل بعد ستٍّ وتسعين سنةً عشق! فقلت: قد كان هذا، فأمر لي بمئة ألفِ درهم، وبعث إلى الجارية الحاذقِة بألف دينارٍ وطيب (٤).


(١) في تاريخ بغداد ١٢/ ١٥٩، وتاريخ دمشق ٤٣/ ٢٠٢، والمنتظم ١٢٠/ ٢٢٢: الإمام، وفي إنباه الرواة ٢/ ٢٠٠: البلاد.
(٢) كذا في (خ)، والذي في المصادر: صاحب لنا في بَدْوِ بني فلان.
(٣) في المصادر: لطال.
(٤) من قوله: قال الأصمعيّ: أمر الرشيد … إلى هنا، لم يرد في (ب).