للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي: من بعد ذهاب موسى إلى الميقات. وقال مجاهد: خار العجل ومشى وهو مرصَّع بالجواهر التي أخذوها من القبط، فقال السامري: هذا إلهكم وإله موسى، نسي فتركه هنا ثم خرج يطلبه.

وقال مقاتل: عبده منهم عشرة آلاف وهم الذين قالوا يا موسى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨] فذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [البقرة: ٥١] وكانوا قد عدُّوا اليوم والليلة يومين فلما مضت عشرون يومًا ولم يرجع افتتنوا. وقال مقاتل: إنما سمي عجلًا لأنهم تعجَّلوه قبل رجوع موسى.

قوله تعالى: ولما رأوا أنهم قد ﴿سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾ [الأعراف: ١٤٩] ندموا على عبادته ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ أي: حزينًا لما فعلوه لأن الله أخبره بما صنعوا ﴿قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي﴾ أي بئس الفعل فعلتم ﴿وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] غضبًا على قومه، وكان شديد الغضب، قال زيد بن أسلم: كان إذا غضب اشتعلت النار في قلنسوته. قال: وكانت التوراة خمسة أسفار، فرفع أربعة إلى السماء وبقي سفر واحد. وقيل: سُبْعٌ واحد (١).

وقال أحمد: حدثنا سُرَيْج بن النعمان بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "ليس الخَبرُ كالمُعايَنةِ، إنَّ اللهَ أخبرَ مُوسى بما صَنعَ قومُه في العِجلِ فلم يُلْقِ الألواحَ، فلما عايَنَ ما صَنعَ قومُه ألقاها فانكَسرَت" (٢).

وقال مجاهد: وصاغ موسى تابوتًا من ذهب وزنه ستمائة مثقال، ونزَّل فتات الألواح فيه ﴿وَأَخَذَ﴾ موسى ﴿بِرَأْسِ أَخِيهِ﴾ هارون ﴿يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: ١٥٠] وقيل: إنما أخذ بأذنيه فعبَّر بالرأس عنهما. وقيل: إنما أخذ بلحيته وكان هارون أحبَّ إلى بني إسرائيل من موسى، لأنه كان ألين وألطف وأكبر سنًا.

وقوله تعالى: ﴿ابْنَ أُمَّ﴾ أي: يا ابن أمَّاه، فاعتذر هارون، وقال: ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ﴾ بعقوبتك وأنا أسنُّ منك وكان قد


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢١٠ - ٢١٢.
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٤٤٧).