للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكشفتُ [سَجْفَ] (١) الزلَّالِ، وإذا بشيخٍ ضعيفٍ حاسر، فقال: قد ترى ما أنا فيه، ولستُ أجد من يحملني، فابتغِ الأجرَ فيَّ، فأدركتني له رِقَّة، وأمرتُ بحمله، وكسوته ثوبًا ونقدًا معي، فقلت: حدِّثني حديثَك. فقال: حديثي طويل:

أنا رجلٌ كانت لله عليَّ نعمة، وكنت صَيرفيًّا، فابتعتُ جاريةً بخمس مئةِ دينار، فشُغفتُ بها، وكنت لا أقدر أن أُفارقَها ساعة، فتعطَّل مكسبي، وأنفقتُ رأسَ المال، ولم يبقَ لي قليلٌ ولا كثير، وحَمَلَت الجارية، فأقبلتُ أَنقض داري وأبيع الأنقاضَ حتى فرغت من ذلك، ولم يبقَ لي حيلة، فأَخذها الطَّلْق، فقالت: إنني أموت، فاحتلْ في دقيقٍ وعسل وشَيْرَج (٢) وحاجتي، قال: فبكيت، وخرجتُ على وجهي وجئت إلى دِجلة، وهممتُ أن أُغرق نفسي فيها، فخفتُ من الله ﷿، فخرجت على وجهي في البرِّيَّة من قريةٍ إلى قرية، حتى بلغت خُراسان، فصادفتُ مَن عرفني، واكتسبتُ مالًا عظيمًا، وكتبتُ إلى بغدادَ كتبًا كثيرةً نحو ستِّين كتابًا، إلى الجارية، فلم يَصِلني جواب، فلم أشكَّ إلا أنَّها ماتت.

وتراخت فيَّ الأيامُ والسِّنون، وحصل معي ما قيمتُه عشرون ألفَ دينار، فقلت: أَعود إلى وطني، فاشتريتُ متاعًا من خُراسانَ وخرجت، فقطع عليَّ اللصوصُ الطريق، فأخذوا ما معي وما كان في القافلة، وعُدْتُ فقيرًا كما خرجتُ من بغداد، ولي منذ فارقت بغدادَ ثمانيةٌ وعشرون سنة.

قال عَمرو: فقلت: إذا صرتَ إلى بغدادَ فَصِرْ إليَّ حتى أُصرِّفَك فيما يصلح لمثلك، ووهبتُ له دراهم، ودخلنا بغداد، ومضت مدَّةٌ ونسيته، فبينا أنا يومًا في موكبي أريد دارَ الخلافة، وإذا بالشيخ راكبًا على بغلٍ بمركب ثقيلٍ وعليه ثيابٌ رفيعة، وبين يديه غلامٌ أسودُ وهو واقفٌ على بابي، فسلَّم علي، فرحَّبتُ به وقلت: ما الخبر؟ قال: حديثي طويل، فقلت: عُدْ غدًا إليّ، فلما كان من الغد جاءني، فقلت: قد سُرِرت بحالك فحدِّثْني.


(١) ما بين حاصرتين زيادة من الفرج والمنتظم، والسَّجْف: السِّتْر. القاموس (سجف).
(٢) الشيرج: دهن السمسم.