للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العَثْرةِ أَوْلى من الكافر، وقد أمر اللهُ بالعفو عن المسلم والكافر، فقال: صدقتَ [وَرِيَتْ بك زِنادي] (١) وعفا عنه.

و [قال إبراهيمُ بن سعيدٍ الجوهري:] سخط [المأمونُ] على نعيم بن حازم، فقال له الحسنُ بن سهل: يا أميرَ المؤمنين، قد تقدَّمَت لنعيمٍ طاعة، وتأخَّرت له توبة، وليس للذَّنب بينهما موضع، ولو وُجد فما ذنبُه بأعظمَ من عفوك، فعفا عنه.

وأذنب رجلٌ من بني هاشمٍ إلى المأمون، فعاتبه، فقال: يا أميرَ المؤمنين، مَن حمل مِثلَ دالَّتي، ولبس ثوبَ حُرمتي، وَمَتَّ بمثل قرابتي، غُفر له فوق زلَّتي، فقال: صدقتَ يا ابنَ عمّ، وعفا عنه.

و [قال الصُّولي:] (٢) وغضب [المأمونُ] على رجل، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ قديمَ الحُرمة وحديثَ التوبةِ يمحوان ما بينهما من الإساءة، فرضي عنه.

و [قال أيضًا:] أساء رجلٌ إليه مرارًا، فلمَّا حضر بين يديه قال له المأمون: إنما هو عُذرٌ أو يمين، وقد وهبتهما لك، ولا تزال تُسيء وأُحسن، وتُذنب وأَعفو، حتى يكونَ العفوُ هو الذي يُصلحك.

[قال:] وجاءه الحسنُ بن سهلٍ برجلٍ قد أذنب، فقال [له الحسن]: هَبْه لي، فقال المأمون: وكيف لا أَهبه لمن به قَدرتُ عليه!

[ذِكر طَرَف من جود المأمون وكرمِ أخلاقه:

حكى الحسنُ بن عبدوسٍ الصفَّارُ قال:] لمَّا بني [المأمون] (٣) على بُوران، كان رجلٌ من أهل الأدبِ يحضر مجلسَ الحسنِ بن سهل، وكان فقيرًا، فعمد إلى مِزْودَين، فملأ أحدَهما ملحًا والآخرَ أُشنانًا، وبعث بهما إلى الحسن، وكتب معهما رُقعةً يقول فيها: خِفَّة البضاعةِ قصرتْ يدَ (٤) الهِمَّة، وكرهتُ أن تُطوَى صحيفةُ أهل البِرِّ وليس لي فيها ذِكْر، فوجَّهت إلى سيِّدي بالمبتدأ به ليُمنه وبركتِه، وبالمختَتَم به لطِيبه ونظافتهِ.


(١) ما بين حاصرتين من (ف).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).
(٤) في تاريخ دمشق ٣٩/ ٢٦٧: ببعد.