للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وأخذتُ أنا الرُّقعة، فأقامت معي وأنا أَذوب وأَنحَل، ولا أَشكُّ في زوال نعمتي وهلاكي، فكتبت وصيَّتي وهجرتُ طعامي وشرابي ولذَّاتي، حتَّى بَليت، فنظر المأمونُ إليَّ يومًا فقال: يا عيسى، هل تشكو عِلَّة؟ فقلت: يا أميرَ المؤمنين، لي سنة حيٌّ كميِّت بسبب الكتابِ الَّذي دفعتَه إليَّ لأُناظرَ عليه عَمرو بنَ مَسعدة، فقال: أَمسِك حتَّى أُعيدَ عليك ما جرى بينكما، فأَعاده حرفًا حرفًا وقال: عمرٌو أَعرفُ بنا منَّا، وأوسمعُ صدرًا، وأبعد همَّة، وما أردتُ إلَّا أن أعرِّفكما أني قد علمتُ بما صار إليكما وأنتما تتوقَّيان إظهارَه، وأحببتُ أن أُزيلَ عنكما غَمَّ المساتَرَة وثقلَ المراقبة، وإني خَجِلٌ منكما من ضعف أمري (١) عندكما، فدعوتُ له وقلت: ما أَصنعُ بهذا الكتاب؟ فقال: ترميه في لعنة الله، وامضِ مصاحَبًا في سِتر الله. فدعوتُ له وانصرفت كأنما أُطلقت من عِقال (٢).

و [قال الصُّولي:] (٣) كان بعضُ خدمٍ المأمون [واسمُه رشيد] بلغه عنه أنَّه يسرق، فقال له يومًا: يا رشيد، إذا سرقتَ شيئًا فبِعْنيه، قال: نعم [قال:] وكان يصبُّ على يديه من إِبريق في طَسْت، فقال: يا أمير المؤمنين، بكم تشتري منِّي هذا الطَّسْتَ والإبريق؟ قال: بكم تريدني أَشتريه، قال: بعشَرة دنانير، فأمر له بها، فقال الرشيد: بقي هذان ما بقي الليلُ والنهار. فضحك المأمونُ [حتى استلقى].

[قال:] (٤) وأهدى مَلِكُ الرومِ إلى المأمون هديَّةً سَنيَّة، فيها مئةُ رطلٍ من المِسك، ومئةُ حُلَّة من سَمُّور (٥)، فقال: أَضعِفوها له ليعلمَ عزَّ الإسلام وذُلَّ الكفر.

وقال العَيشي (٦): كنت مع المأمونِ بدمشق، فضاق ما بيده، فشكا ذلك إلى أخيه أبي إِسحاقَ المعتصم، فقال له: يا أميرَ المؤمنين، كانَّك بالمال وقد وافاك بعد جُمُعة، وقدم بالمال وكان ثلاثين ألفَ ألفِ درهمٍ من خَراج كان يتولَّاه المعتصم، فقال لابن


(١) في الفرج بعد الشدة: أثري.
(٢) من قوله: وأمر المأمون محمدَ بن أبي خالد ومحمد بن يزداد أن يناظرا … إلى هنا، لم يرد في (ب).
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).
(٥) دابة يتخذ من جلدها فِراء مثمنة. القاموس المحيط (سمر).
(٦) في (خ) و (ف): العبسي. والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٦٥٢، وابن الأثير ٦/ ٤٣٣. وانظر تاريخ دمشق ٢/ ٧٢٦٥ - ٧٢٦ (مخطوط).