للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيبخل فَرْدُ الحُسْنِ عني بنائلٍ … قليلٍ وقد أَفردتُه بهوًى فَرْدِ

رأى اللهُ عبدَ اللهِ خيرَ عبادِه … فملَّكه واللهُ أعلمُ بالعبد

أَلَا إنَّما المأمونُ [للناس] (١) عصمةٌ … مميِّزة بين الضَّلالة والرُّشد

فقال له: أَحسنت، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أَحسن قائلُها، قال: ومَن هو؟ قال: عُبيدك الحسينُ بن الضحَّاك، فقال: لا حيَّاه الله ولا بيَّاه ولا قرَّبه، أليس هو القائل: [من الطويل]

أَعينيَّ جُودا وابكيا لي محمَّدا … ولا تَذْخَرا دمعًا عليه وأَسعِدا

فلا تمَّت الأشياءُ بعد محمدٍ … ولا زال شَملُ المُلكِ فيها مبدَّدا

ولا فرح المأمونُ بالمُلك بعده … ولا زال في الدُّنيا طريدًا مشرَّدا

هذه بتلك، ولا شيء له عندنا، فقال ابنُ البواب: فأين عادةُ عفو أمير المؤمنين؟ قال: أما هذه فنعم، إئذنوا له، فدخل (٢)، فقال المأمون: هل عرفتَ يوم قُتل أخي هاشميةً هُتكت؟ قال: لا، قال: فما معنى قولِك: [من الطويل]

وممَّا شجا قلبي وكفكفَ عَبرتي … محارمُ من آل النبيِّ استُحِلَّتِ

ومهتوكةٌ بالخُلْد عنها سجوفُها … كَعابٌ كقَرن الشمسِ حين تبدَّت

فلا بات ليلُ الشامِتِين بغِبطةٍ … ولا بُلِّغت آمالُهم ما تمنَّت

فقال: يا أميرَ المؤمنين، لوعةٌ غلبتني، وروعةٌ فاجأتني، ونعمةٌ سُلبتُها بعد أن غمرتْني، وإحسان عمَّني سَيبُه فأَنطقني، وسيِّد فقدتُه فأوجعني، فإن عاقبتَ فبحقِّك، وإن عفوتَ فبفضلك، فدمعت عينا المأمونِ وأمر بإدرار رزقِه.

قال المصنِّف : والذي ذكر الخليعُ هو الصحيح، أيُّ هتكَةٍ أعظمُ من خروج هاشميةٍ حاسرةً مكشوفةَ الرأس ناشرةً شعرَها، ومعها بناتُ الخلفاءِ عليهنَّ المُسوح، يَلْطِمنَ في شوارع مدينةِ أبي جعفرٍ ويَحثين على رؤوسهنَّ الرَّماد، حتَّى بكى عليهنَّ كل صديقٍ وكلُّ عدو، وإنما الخليعُ خاف من المأمون فاعتذر بما ذكر.

وبلغ المأمونَ أن دِعْبِلًا هجاه فقال: [من الكامل]


(١) ما بين حاصرتين من المصادر: الأغاني ٧/ ١٦٥، والفرج بعد الشدة ١/ ٣٢٩، وتاريخ الإسلام ٥/ ٣٥٦.
(٢) في (خ): نوله فدخل. وفوقها: كذا، والمثبت من تاريخ الإسلام ٥/ ٣٥٦، والنجوم الزاهرة ٢/ ٢٢٦.